السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد،:
أنا شاب قد بلغت الثالثة والعشرين من عمري والدي متوفى، أعيش أنا وأمي وإخوتي في مسكن يعلونا فيه أخي الكبير (يكبرني بحوالي عشرين سنة) وزوجته صحبة أطفاله.
ها هنا تكمن القضية، فبالرغم من المرّات المتعددة التي أجد فيها زوجة أخي تصرخ على أمي فإني لا أحرك ساكنا وأكتفي بمواساة أمي راجيا الله أن تقلع عن هذه العادات السيئة (الصراخ)، لا تسألني عن أخي فقد أصبح لا يهتم لهذه الأمور من كثرتها كما أصبحت بالنسبة له روتينا يصبح عليه ويمسي.
لا أخفيكم أني اعتدت أيضا على هذه الأمور، لكنها الآن لم تكتف بهذا بل إنها تعدته لتهين رجولتي نعم فبمجرد طردي لابنتها (3 سنوات) من بيتنا قامت الدنيا ولم تقعد تسمعني كلاما لا أجرؤ على إلقائه على مسامعكم وأنا والله لم أرد عليها، لكني لم أستطع نوم الليل. تهين رجولتي ، هي تدرك ردة فعلي لهذا تطاولت لكن الكيل طفح وها أنا واقف بين أيديكم أنتظر منكم العون بكتاب الله وسنة نبيه راجيا أن لا توصوني بالصبر فإني ما نطقت ألا وقد أزف .
إلى أن يصلني ردكم لكم مني جزيل الشكر .
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
لا يجوز لامرأة أخيك أن تسيء إلى أمك ويجب عليك أن تدافع عن أمك، وعلى أخيك أن يمنع امرأته من الإساءة إلى أمه، ومن حقك أن ترد على إهانتها لك وإن كان العفو أولى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لامرأة أخيك أن تسيء إلى امك، ولا يجوز لك أخي السائل أن تخذل أمك فلا تدفع عنها إساءة تلك المرأة، ففي البخاري وغيره عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فكيف إذا كان المظللوم أمك؟ بل إن أخاك يجب عليه أن يمنع امرأته من الإساءة إلى أمه، ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 7068.
وأما بخصوص إهانتها لك فمن حقك أن ترد عليها بمثلها على أن العفو أولى لقوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40)} والإثم عليها هي ما لم تعتد أنت لقوله صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم.
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جوز الانتصار ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. قال الله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ. ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وللحديث المذكور بعد هذا مازاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
ثم قال بعد ذلك رحمه الله: ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم أو يا أحمق أو جافي أو نحو ذلك لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف، قالوا وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه إثم الابتداء أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه ويكون معنى على البادئ أي عليه اللوم والذم لا الإثم.
وأخير نوصيك باتخاذ الحكمة في أي قرار تتخذه في هذا الصدد وبموازنة الأمور، فما كان يفضي إلى مفسدة أعظم فينبغي تجنبه وتفاديه بتحمل الأقل مفسدة، واعلم أن التواصي بالصبر من أسباب الفوز والفلاح فلا ينبغي للمسلم أن يمل منه، واقرأ قول الله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) .
والله أعلم.