السؤال
هل هناك حكمة في ترتيب الآيات في وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان؟
خلاصة الفتوى:
لا شك أن في ترتيب صفات عباد الرحمن على النحو المذكور في الآيات المشار إليها حكمة أو حكماً جليلة ولو لم نفهمها نحن أو نطلع على مغزاها...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن في ترتيب آيات القرآن عموماً وصفات عباد الرحمن خصوصاً حكمة أو حكماً عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولعل من هذه الحكم -والله أعلم- أن صفات عباد الرحمن جاءت جملتها عطفاً على جملة: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا {الفرقان:62}، فذكر سبحانه وتعالى صفات عباد الرحمن في النهار الذي هو وقت العمل والنشاط ومخالطة الناس.. فقال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {الفرقان:63}، ثم أتبعه بصفاتهم بالليل: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا {الفرقان:64}، ثم في حياتهم العامة في الإنفاق الواجب والمستحب.. وهذه صفات تحلية، ثم أتبعها بصفات تخلية عن ثلاثة أنواع من الذنوب وهي الشرك وقتل النفس بغير حق والزنا، وهي أعظم الذنوب كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين، وهي العنوان لجميع أنواع الذنوب كما جاء في الحديث: الظلم ثلاثة فظلم لا يتركه الله، وظلم يغفر، وظلم لا يغفر، فأما الظلم الذي لا يغفر؛ فالشرك لا يغفره الله، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد فيما بينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك ؛ فظلم العباد فيقتص الله بعضهم من بعض. رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني في السلسلة.
ثم بعد ذلك جاءت صفات استقامتهم والتزامهم بشرع الله تعالى في حياتهم كلها فقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ {الفرقان:72}، وختمت الصفات بدعائهم بالزيادة من الخير وصلاح الحال..: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}.
قال ابن عاشور في التحرير: وفي الإطناب بصفاتهم الطيبة تعريض بأن الذين أبوا السجود للرحمن وزادهم نفورا هم على الضد من تلك المحامد.. واعلم أن هذه الصفات التي أجريت على عباد الرحمان جاءت على أربعة أقسام: قسم هو من التحلي بالكمالات الدينية.. وقسم هو من التخلي عن ضلالات أهل الشرك.. وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام.. وقسم من تطلب الزيادة من صلاح الحال في هذه الحياة.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني