الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، لأن الطلاق غالباً لا يحدث إلا جراء غضب من الزوج، وهناك حالة نص أهل العلم على أن الغضبان لا يقع طلاقه فيها، وهي ما إذا أوصله الغضب إلى وضع يجعله لا يعي شيئاً ولا يتحكم في تصرفاته، فلا يقع الطلاق في هذه الحالة قياساً على المكره والمجنون، يقول العلامة ابن القيم: الغضب ثلاثة أقسام: أحدها: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله، بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه، ويعلم ما يقول ويقصده، فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده، ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردد فكره.
القسم الثاني: أن يبلغ الغضب نهايته، بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول، ولا يريده. فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه، كما تقدم.
القسم الثالث: من توسط في الغضب بين المرتبتين، فتعدى مبادئه ولم ينته إلى آخره - فهذا موضع الخلاف ومحل النظر، والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده، التي يعتبر فيها الاختيار والرضا، وهو فرع من الإغلاق المذكور في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. انتهى كلامه بتصرف.
فإن كان زوجك وصل به الغضب إلى حال فقد وعيه, فإن الطلاق لا يقع, وإن كان الغضب لم يصل إلى حد الإغلاق وفقد الشعور فالطلاق واقع، ويقع ثلاثاً عند جمهور أهل العلم إن كان يقصد إيقاع طلقة بكل لفظ من الألفاظ الثلاثة، أما إن قصد التأكيد فتقع طلقة واحدة، هذا مذهب الجمهور. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن طلاق الثلاث واحدة، وللفائدة في الموضوع راجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1496، 3073، 11566.
والله أعلم.