الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسفيه الذي لا يحسن التدبير وتصريف المال، يحجر عليه مع بقاء ملكه، وإنما يمنع من التصرف في أمواله، ويتم تنصيب قيم على أمواله، ليحفظها من التلف والضياع، كما يلزمه تنميتها وقيل يستحب له، وينفق من ماله بالمعروف على من تجب نفقته عليه، كما يؤدى زكاة أمواله.
وننبه على أن الحجر وما يترتب عليه من وكالة أو وصاية أمر خطير لا بد من إحالته على المحاكم الشرعية. وراجع في حكم الحجر فتوانا رقم: 115422.
ومن جملة التصرفات التي يمنع منها السفيه الوقف، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: بما أن الوقف نوع من التبرع المالي وهو - أي السفيه - محجور عليه لحفظ ماله وأنه ليس أهلا للتبرع فلا يصح منه الوقف. اهـ .
أما عن حكم وقف السفيه على نفسه فنقول أولاً: إن الوقف على النفس محل خلاف بين الفقهاء، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اختلف الفقهاء في صحة وقف الإنسان على نفسه على قولين: الأول: عدم صحة الوقف على نفسه لتعذر تمليك الإنسان ملكه لنفسه؛ لأنه حاصل وتحصيل الحاصل محال، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء: المالكية والشافعية في الأصح وأكثر الحنابلة - وهو المذهب - ومحمد بن الحسن من الحنفية.
لكن قال الشافعية والحنابلة: لو وقف على نفسه وحكم به حاكم نفذ حكمه ولم ينقض لأنها مسألة اجتهادية.
والقول الثاني: هو صحة وقف الإنسان على نفسه وهذا ما ذهب إليه أبو يوسف من الحنفية وهو المعتمد في المذهب، والشافعية في مقابل الأصح، قالوا: لأن استحقاق الشيء وقفا غير استحقاقه ملكا، وهو أيضا رواية عن الإمام أحمد اختارها جماعة منهم . اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ويستنبط منه – يعني حديث عمر رضي الله عنه في الوقف - صحة الوقف على النفس وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه وقال به من المالكية ابن شعبان وجمهورهم على المنع، إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته، ومن الشافعية ابن سريج وطائفة، وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما، واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب البدنة وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط ... وبقصة عثمان الآتية - في وقفه بئر رومة اهـ .
وعلى صحة القول بالوقف على النفس يجوز للسفيه أن يقف على نفسه، ثم على جهة بر من بعده، وهي مستثناة من التبرعات التي يمنع منها السفيه، لأنه محض مصلحة للسفيه فهو كوصيته، ووصية السفيه صحيحة، قال ابن قدامة في المغني: ويصح تدبيره ووصيته – يعني المحجور عليه لسفه؛ لأن ذلك محض مصلحته لأنه تقرب إلى الله تعالى بماله بعد غناه عنه. اهـ . وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الحنفية والمالكية والشافعية في المذهب والحنابلة في أصح الوجهين إلى أنه تجوز وصية المحجور عليه لسفه. اهـ .
قال ابن الهمام في فتح القدير: وينبغي أنه إذا إذا وقفها – يعني أرضه - في الحجر للسفه على نفسه، ثم لجهة لا تنقطع أن يصح على قول أبي يوسف، وهو الصحيح عند المحققين وعند الكل إذا حكم به حاكم. اهـ.
والله أعلم.