الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبهك على أن ما قمت به من الاطلاع على بريد زوجتك وهاتفها كل ذلك من قبيل التجسس، والتجسس حرام في الأصل لقوله تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12}.
ولكن يشرع التجسس في مثل هذه الحالات التي يغلب على ظن الزوج حصول انحراف من أهله، ولا طريق لمعرفته ومنعه إلا بالتجسس. وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم: 30115.
أما بخصوص مسألة النفقة على المرأة قبل الدخول فقد سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم: 108085.
ولعل المحكمة إنما حكمت لها بالنفقة استنادا إلى ما تظهره هي من رغبتها في إتمام عقد الزواج، واتهامك بالتعنت والمماطلة في إتمامه. وإلا فلو ثبت لدى المحكمة أن التعنت من جهتها وأنها هي التي ترفض إتمام الزواج وتطلب الطلاق لما حكمت لها بذلك.
ولا شك أن ما تفعله زوجتك من إساءة لك ومعاملتك بجفاء وتعال، وطلبها الطلاق بغير سبب كل ذلك من الأمور المحرمة، وعلاقتها بهذا الرجل الأجنبي معصية قبيحة، وقد بينا قبحها وكيفية التوبة منها في الفتوى رقم: 99815.
أما بخصوص ما فعله أبوها وهذا الشيخ الذي تدخل للإصلاح فله حالتان:
الحالة الأول: أن يعلما ندمها على ما كان منها وتوبتها من علاقتها بهذا الشاب، وهنا يكون ما فعلاه من الستر عليها؛ لأن الشرع قد أمر بالستر على العصاة المذنبين إذا لم يعلنوا بالمعصية ولم يتبجحوا بها، فما ظنك بالستر على من أظهر ندمه على معصيته وتاب منها. وراجع الكلام عن الستر في الفتويين : 118386 109650.
وما حدث منهما من اختلاق هذه القصة لا حرج فيه حينئذ، فإن الكذب جائز للإصلاح بين عموم الناس، فمن باب أولى في الإصلاح بين الزوجين، وقد بينا هذا بالتفصيل والدليل وذكر أقوال أهل العلم في الفتاوى رقم: 114750 ، 78685 ، 75174 .
وجاء في شرح السنة ـ للإمام البغوي: عن أسماء بنت يزيد قالت : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لا يصلح الكذب إلا في ثلاثٍ : الرجل يكذب في الحرب ، والحرب خدعة ، والرجل يكذب بين الرجلين ليصلح بينهما ، والرجل يكذب للمرأة ليرضيها بذلك . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.
قال أبو سليمان الخطابي : هذه أمور قد يضطر الإنسان فيها إلى زيادة القول ، ومجاوزة الصدق طلباً للسلامة ورفعاً للضرر ، وقد رخص في بعض الأحوال في اليسير من الفساد ، لما يؤمل فيه من الصلاح. انتهى.
الحالة الثانية: أن يسترا عليها مع علمهما بفسادها وإصرارها على معصيتها، وحينئذ يكون فعلهما هذا غير جائز، وهو ضرب من الغش والخيانة للمسلمين.
أما بخصوص حقوقها فإن المطلقة قبل الدخول يجب لها نصف المهر المسمى إذا لم يختل بها زوجها خلوة يمكن فيها الوطء عادة. فإن خلا بها مثل هذه الخلوة فقد تقرر لها المهر كاملا مقدمه ومؤخره، وقد سبق هذا في الفتوى رقم: 122113.
وحينئذ يبقى النظر في حالها، فإن كانت قد تابت من علاقتها بهذا الشاب وعزمت على إتمام عقد الزواج، فإنه يلزمك حينئذ أن توفيها حقها كاملا إن قمت بطلاقها، أما إن لم تتب من هذا أو تابت وتصر على الطلاق دون مسوغ فإنه يجوز لك أن تعضلها بأن تمتنع عن طلاقها حتى تفتدي منك بمال، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 76251.
أما بخصوص الذهب الذي أهديته لها، فما دام العرف قد جرى برد مثل هذه الهدايا عند حدوث الطلاق، فإنهم يلزمون برده ، ولك أن تطالبهم به، فإن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، والزوج إنما يهب في هذه الحالة بشرط استدامة العقد وبقائه، فإذا انتهى العقد بالطلاق استحق هبته؛ لأنها حينئذ أشبه بهبة الثواب، ومعلوم أن الواهب للثواب أحق بهبته ما لم يثب منها.
جاء في الإنصاف للمرداوي: وقال في القاعدة الخمسين بعد المائة حكى الأثرم عن الإمام أحمد رحمه الله وإن كان أهدى هدية يردونها عليه، قال القاضي في الجامع لأن في هذه الحال يدل على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال ملك الرجوع كالهبة بشرط الثواب. انتهى.
والله أعلم.