الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربكم، ويذهب همكم وغمكم، ويصلح ذات بينكم ويصرف عنكم كيد الشيطان الرجيم، ونوصيكم بالرضا بقضاء الله والالتزام بتقواه سبحانه في جميع الأحوال، ثم استعينوا على ما أنتم فيه بالصبر والصلاة, فقد قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ. {البقرة: 45}. وقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق: 2-3}. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. {الطلاق: 4}.
ولا شك أن أمكم -سامحها الله- قد قصرت في حقوقكم وضيعت الكثير منها، ولكن هذا كله لا يسقط شيئا من وجوب برها وصلتها والإحسان إليها، فإن حقها من البر والمصاحبة بالمعروف باق على كل حال، وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية: 96490، 22112، 11550.
وعليكم أن تتعاملوا معها بالصبر تارة والتغافل عن تصرفاتها تارة، والنصح والوعظ بأسلوب رقيق تارة أخرى، ثم يمكنكم أن توسطوا بينكم وبينها من يملك التأثير عليها من أرحامها أو صديقاتها أو جاراتها، ليعلموها بخطأ هذا الأسلوب في التعامل مع أولادها، مع كثرة التضرع والدعاء أن يصلح الله أحوالها ويعطف قلبها عليكم.
وعليكم بمراجعة علاقتكم بالله سبحانه لأن التفريط في حقوق الله سبب كبير في حصول العداوة والبغضاء كما قال الله سبحانه: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. {المائدة:14}.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:... أن ترك الواجب سبب لفعل المحرم قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. { المائدة: 14} سورة المائدة. فهذا نص في أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين وكان هذا دليلا على أن ترك الواجب يكون سببا لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء. انتهى.
وأما ما تذكرين عن حال جارتكم هذه فلا يجوز المسارعة باتهامها بالسحر والشعوذة ونحو ذلك إلا ببينة واضحة وحجة ظاهرة, لأنها قد تكون بريئة من ذلك كله، وما ذكره هذا الرجل لأبيكم بشأن هذه الرائحة كذب محض وإفك مبين فإن مفاتح الخير والشر بيد الله وحده، ولا تقدر هذه المرأة ولا غيرها من البشر أن تصنع شيئا تدفع به عن نفسها الشر وتأخذ ما قسمه الله لكم من الخير، ومن اعتقد هذا أو صدقه فإنه زائغ ضال.
فإن ثبت لديكم أنها ممن يتعاطى السحر أو الشعوذة ومثل هذه المنكرات، فعليكم أن تتحصنوا من شرها بالرقية الشرعية المبينة في الفتاوى: 22104، 4310، 2244، 80694.
والله أعلم.