الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطلب العون من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله وحده نوع من أنواع الشرك، أما الاستعانة بغير الله تعالى فيما يقدر عليه فليست من الشرك وهي جائزة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 36008.
وبذلك يتبين أن ما ذكره السائل من سؤاله للمال من أمير أو ملك إلخ، ليس من الشرك، ولكن يبقى أن الأصل في المسألة الذم، وأنه يمنع منها إلا لمسوغ شرعي، قال ابن حجر في الفتح: ثبت ذم السؤال للمال ومدح من لا يلحف فيه، كقوله تعالى: لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا. وتقدم في الزكاة حديث: لا تزال المسألة بالعبد حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. وفي صحيح مسلم: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو جائحة.
وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: إذا سألت فاسأل الله.
وفي سنن أبي داود: إن كنت لا بد سائلاً فاسأل الصالحين.
وقد اختلف العلماء في ذلك، والمعروف عند الشافعية أنه جائز، لأنه طلب مباح فأشبه العارية، وحملوا الأحاديث الواردة على من سأل من الزكاة الواجبة ممن ليس من أهلها، لكن قال النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة، قال: واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين، أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث.
والثاني: يجوز ـ مع الكراهة ـ بشروط ثلاثة: أن لا يلح، ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسؤول، فإن فقد شرط من ذلك حرم. انتهى.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 39228، ورقم: 20195.
وأما إتيان الطبيب للاستشفاء مع اعتقاد أن الشفاء من الله، فقد حث عليه الشرع وأمر به، فعن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم يا عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء. رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وأبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا. رواه أحمد، وحسنه الألباني والأرناؤوط.
ولا يتعارض ذلك مع التوكل على الله تعالى والاستعانة به سبحانه، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 15012 ورقم: 62685، وقد سبق ـ أيضاً ـ بيان حكم ترك التداوي في الفتويين رقم: 30645، ورقم: 31887.
والله أعلم.