الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الذنوب من الأسباب المباشرة لنزول المصائب وحلول النقم وزوال النعم، فما من مصيبة تنزل بالعبد إلا بكسبه وما جنت يداه، كما قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ. {آل عمران:165}. وقال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ. {الشورى:30}. وقال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. {لأنفال:53}. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد و ابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي، وصححه المنذري وحسنه العراقي والبوصيري والأرنؤوط.
وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 49228، 41620، 40632،56211.
وذلك في الحقيقة من مظاهر رحمة الله تعالى بعبده، فمن جهة ينتبه العبد ويتوب إلى الله، ومن جهة أخرى يكون ذلك مما تكفر به سيئاته. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 19810.
وإذا كان البلاء ينزل بسبب الذنوب فإنه يرفع بالتوبة والاستقامة، كما قال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ. {هود:3}. وقال عز وجل: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا. {نوح: 10-12}. وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. {الأحقاف:13}.
فإن أردت أن يغير الله حالك فغير حالك مع الله تعالى، فقد قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. {الرعد: 11}. ولتبدأ العلاج بإصلاح حالك مع الله والإقبال عليه بالاستغفار والتوبة النصوح، فإن ذلك من أعظم أسباب رفع البلاء، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة.
واعلم أخي الكريم أن مخافة الله ومراقبته والاستحياء منه هو الذي يعصم العبد من الزلل، وهو الذي يفوز به برضوان الله وجنته، كما قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ. {الرحمن: 46}. وهذا هو مقام الإحسان الذي سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. متفق عليه.
فإذا تحقق العبد بهذا المقام السامي من مخافة الله وخشيته وتقواه، فلا شك أن ذلك يحجزه عن ما يسخط الله وإن كان يهواه، ولذلك قرن الله تعالى بين مخافته ونهي النفس عن الهوى فقال: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:40، 41}.
فالمؤمن الحق هو الذي يخشى الله إذا ذُكِّر وإن جاءه أمر من أوامر الله تعالى لان فانتفع، واستجاب فارتفع، كما قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * {الأعلى:9، 10}، قال السعدي: فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين. فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى }. الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات. اهـ.
وقد سبق لنا بيان سبل غرس مخافة الله وكيفية اكتسابها وما يترتب عليها من حصول الاستقامة والكف عن المعاصي، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 25324، 66109، 18074، 7007، 10263، 2586.
ولمزيد الفائدة عن وسائل تقوية الإيمان وتحصيل الهداية وبيان سبيل الإنقاذ من الضلال، يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1208، 10800، 12744، 16610، 33659.
وراجع في حكم العادة السرية وأضرارها وكيفية التخلص منها الفتويين: 7170 ، 22083. وفي موضوع المواقع الإباحية الفتويين: 6617، 75623.
وأما مسألة الخدمة العسكرية، فإن كان حالها كما ذُكر في السؤال، فلا يجوز الالتحاق بها، ويجب السعي لاجتنابها ولو بدفع الرشوة إن لم يكن هناك سبيل آخر لتفاديها، وراجع في ذلك الفتويين: 15847، 47043.
والله أعلم.