الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالغضبان له ثلاث مراتب يقع طلاقه في إحداها، ولا يقع منه الطلاق في أخرى بلا خلاف فيهما، واختلف في وقوعه منه في المرتبة الثالثة وسبق تفصيلها ذلك في الفتوى رقم: 11566.
والراجح عندنا هو مذهب الجمهور وهو أن الغضب المانع من وقوع الطلاق هو أن يكون صاحبه قد تلفظ بالطلاق أثناء الغضب الشديد بحيث لا يعي ما يقول، لأنه حينئذ في حكم المجنون، أما إن كان يعي ما يقول فطلاقه نافذ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35727.
وعليه، فإن كان الأمر على ما ذكرت من كونك تعي ما تقول وقت تلفظك بالطلاق فهو نافذ، وذكرك للطلقة الثانية والثالثة مشعر بأن ثمة طلقة أولى لم تذكرها في السؤال، وإذا كانت الطلقات الثلاث قد وقعت حال كون الزوجة في عصمتك، أو في عدة منك فإنها تكون قد بانت منك بينونة كبرى، ولا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك نكاحا صحيحا ـ نكاح رغبة لا نكاح تحليل ـ ثم يطلقها بعد الدخول.
وما ذكرته من وقوع الطلاق بعد الطهر من الحيض وقبل الاغتسال منه لا يمنع الاعتداد به، فهو نافذ عند الجمهور، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رواية أنه لا يقع، لأن الزوجة حينئذ في حكم الحائض، والحائض لا يصح طلاقها عنده، قال في شرح العمدة: وذكر أبو بكر عبد العزيز فيها قولين ـ يعني روايتين ـ إحداهما أنه بدعة حتى تغتسل وهو اختيار بعض أصحابنا، لأن في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: مر عبد الله فليراجعها، فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها، وإن شاء يمسكها فليمسكها ـ فإنها العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ـ رواه الدارقطني، وهذه الرواية تفسير الرواية الأخرى وتبين أن المسيس والطلاق إنما يكون بعد الاغتسال، ولأن ما قبل الاغتسال في حكم الحيض في تحريم الوطء وبقاء العدة وجواز الرجعة، فكذلك في تحريم الطلاق وابتداء العدة وطرد ذلك إذا قلنا إن حضت حيضة فأنت طالق، ووجه الأول ظاهر حديث ابن عمر في الرواية المشهورة ولأنه يصح فيه صومها وتجب فيه الصلاة فأشبه ما بعد الاغتسال. انتهى.
كما لا يقع الطلاق أيضا عند شيخ الإسلام ابن تيمية إن كان في حيض، أو نفاس، أو وقع في طهر حصل فيه جماع، أو قبل رجعة، أو تجديد عقد خلافا لجماهير أهل العلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 129665.
والله أعلم.