الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأوجه التي ذكرها الأخ السائل للجمع بين مفهوم قوله تعالى: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. [الممتحنة: 9] وبين منطوق قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. [التوبة: 23] ـ كلها محتملة. والأقرب أن يقال: إن المحظور إنما هو تقديم محبة هؤلاء الآباء والإخوان على محبة الله ورسوله، كما قال تعالى في الآية التي تليها: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. [التوبة: 24]. ويؤيد هذا ما نقله الأخ السائل عن عدد من أهل العلم المعاصرين، ومنهم الشيخ ابن عثيمين حيث قال: الموادة شيء والمحبة الطبيعية التي مقتضاها القرابة شيء آخر، فالمواد هو الذي يسعى في طلب المودة أكثر مما تقتضيه الفطرة ويسعى إلى رضاهم بكل وسيلة، ويدلك على هذا قوله تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم ... أحب إليكم من الله ورسوله ...الآية ) والأبناء والآباء في هذه الآية عام يتناول المسلمين والكفار فلذلك تقديم محبة غير الله على الله ورسوله هو المحرم، وعلى هذا فضابط المودة المحرمة للكفار هو تقديم محبتهم على محبة الله ورسوله. اهـ.
وقد سبق لنا بيان زيادة بيان لهذه المسألة ، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 161841، 128403، 151751.
والله أعلم.