الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فنقول ابتداء إن قولك لزوجتك { تحرمين علي } قد اختلف فيه أهل العلم هل هو ظهار أم يمين أم على حسب ما نويت ؟ وقد ذكرنا أقوالهم في الفتوى رقم: 14259, فإذا كنت لم تقصد بهذا التحريم طلاقا أو ظهارا ، فالمفتى به عندنا أن حكمه حكم اليمين , وكذا إن لم تنو شيئا فإن حكمه حكم اليمين على ما رجحناه في الفتوى رقم: 112438.
وأما إن نويت به الظهار فإنه يكون ظهارا ويلزمك به أولا أن تتوب إلى الله تعالى منه فإن الظهار محرم ومنكر من القول وزور كما قال الله تعالى : الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ {المجادلة:2}.
ويكون ظهارا مؤقتا ما دمت قد وقته بمدة شهرين , وجمهور أهل العلم على وقوع الظهارالمؤقت ، فإذا انقضت الفترة المحددة له حلت لك الزوجة بدون كفارة الظهار، وإن جامعتها قبل تمام تلك المدة لزمتك كفارة ظهار .
وقولك ( تلامسنا في نفس اليوم ) إن كنت تعني أنك جامعتها قبل التكفير , وقبل الشروع في الصيام كما هو ظاهر فإنه تلزمك التوبة إلى الله تعالى , ولا تتعدد عليك الكفارة بالوطء قبل التكفير في قول جمهور أهل العلم , وهو ما نفتيك به , جاء في الموسوعة الفقهية :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ قَبْل التَّكْفِيرِ ، وَعَدَمِ تَعَدُّدِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : الْقَوْل الأْوَّل : عَدَمُ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ قَبْل التَّكْفِيرِ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ ، وَالشَّافِعِيَّةُ ، وَالْحَنَابِلَةُ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ , وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا } , فَهَذِهِ الآْيَةُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى [عدم] تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ قَبْل التَّكْفِيرِ لأِنَّهَا أَفَادَتْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ قَبْل الْعَوْدِ ، فَإِذَا جَامَعَ قَبْل التَّكْفِيرِ فَقَدْ فَاتَتْ صِفَةُ الْقَبْلِيَّةُ ، فَيَبْقَى أَصْل الْوُجُوبِ ، وَلأِنَّهُ لاَ دَلاَلَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّ تَرْكَ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْجِمَاعِ ، يُوجِبُ كَفَّارَةً أُخْرَى , كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْل أَنْ يُكَفِّرَ ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ فَقَال : رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ ، فَقَال لَهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ عَنْكَ فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي عَدَمِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ قَبْل التَّكْفِيرِ ، لأِنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِاعْتِزَال زَوْجَتِهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَكْرَارِ التَّكْفِيرِ لِجِمَاعِهِ زَوْجَتِهِ قَبْل أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ تَكْفِيرًا وَاحِدًا ، إِذْ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مُتَعَدِّدًا لَبَيَّنَهُ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لأِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ . اهـــ .
وإن كنت جامعتها بعد الشروع في الصيام – ولو ليلا – فإن التتابع ينقطع بذلك في قول الجمهور , وعند الشافعية لا ينقطع , وما ذكرته عن الشافعية غير صحيح فإنهم -وإن قالوا بعدم انقطاع التتابع بالوطء ليلا- فهم يوافقون غيرهم في عدم جواز الوطء ليلا , جاء في الموسوعة الفقهية :
ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ إِنْ جَامَعَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا وَلَوْ نَاسِيًا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَيَسْتَقْبِل الصَّوْمَ , وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ جَامَعَ الْمُظَاهِرُ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا بِاللَّيْل قَبْل التَّكْفِيرِ أَوْ أَثْنَاءَ شَهْرَيْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ أَثِمَ ؛ لأِنَّهُ جَامَعَ قَبْل التَّكْفِيرِ ، وَلاَ يَبْطُل التَّتَابُعُ لأِنَّ جِمَاعَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الصَّوْمِ فَلَمْ يَقْطَعِ التَّتَابُعَ كَالأْكْل بِاللَّيْل وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ حَيْثُ قَال : إِذَا جَامَعَ الْمُظَاهِرُ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا أَوْ بِاللَّيْل عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لاَ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ ؛ لأِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ التَّتَابُعَ ، إِذْ لاَ يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ ... اهــ
ولم نجد أحدا من فقهاء الشافعية قال بجواز الوطء ليلا , وإنما قالوا بعدم انقطاع التتابع وفرق بين الأمرين . وعلى هذا إذا كنت قد جامعتها أثناء الشهرين ليلا فإنه يلزمك استئناف الصوم لانقطاع التتابع في قول الجمهور , وأما إن كنت جامعتها قبل الشروع في الصيام فإنه يلزمك الاستغفار ولا تتعدد عليك الكفارة كما ذكرنا . ولا ينقطع التتابع بصومك رمضان ولا بفطرك يوم العيد وانظر لذلك الفتوى رقم 77230.
وأما كيف تتم معاملتها ... إلخ فمعاملتك لها في رمضان لا تختلف عن معاملتها سائر الأيام إلا في مسألة الوطء ومقدماته فإنه يحرم عليك نهارا لأجل الصيام والظهار , وليلا لأجل الظهار.
والله أعلم.