الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خروج الشخص خوفا من أذى يلحقه في نفسه أو دينه لا يتنافى مع الصبرعلى البلاء، بل إن خاف الهلاك أو لم يتمكن من إقامة شعائر دينه في بلده وجبت عليه الهجرة إلى بلد يأمن فيه ويتمكن من ذلك إن قدر، وقد تقرر في معتقد أهل السنة أن الخوف الطبيعي من العدو، واتخاذ الأسباب الواقية من شره لا يقدح في العقيدة، ولا ينافي التوكل، ففي الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه للمؤلف: أبي محمد مكي بن أبي طالب ..القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي المتوفى: 437هـ: والتوكل على الله، عز وجل عند أهل النظر والمعرفة بالأصول، هو: الثقة بالله، سبحانه، في جميع الأمور والاستسلام له عز وجل، والمعرفة بأَنَّ قضاءه ماضٍ، واتباع أمره، وليس هو أن يطرح العبد بنفسه فلا يخاف شيئاً ولا يحذر أمراً، ويلقى بنفسه في التهلكة، إلى أن قال: وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الغار ودخل مكة وعلى رأسه المِغْفَرُ، وخرج يوم أُحد وعليه درعان، وفرّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة، وإلى المدينة بعد ذلك خوفاً على أنفسهم، فلو كان من التوكل إلقاء العبد نفسه في التهلكة، وترك الاحتراز من المَخُوفِ، ولَقْيُ العدو بغير سلاح، ومباشرةُ السباع، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه أولى بذلك، بل خافوا وفرُّوا، وسلحوا واحترزوا. انتهى.
وانظرالفتوى رقم: 16302.
والله أعلم.