الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجواب السائل الكريم يتضح بالتنبيه على ثلاث مسائل:
ـ الأولى: أن قوة الدليل أمر نسبي، فلا غرابة أن يترجح عند عالم، أو طالب علم ما يكون مرجوحا عند غيره، بل قد يترجح عنده اليوم ما كان مرجوحا عنده بالأمس. وهذه سمة بشرية معروفة، فالأفهام تختلف، فيفتح منها اليوم ما كان مغلقا بالأمس، ويظهر من ضعفها غدا ما يبدو اليوم قويا. وكذلك العلوم تتفاوت، فيُدرَك منها اليوم ما كان مجهولا بالأمس، ويُذكر منها غدا ما كان بالأمس منسيا. وقس على ذلك بقية العوارض النفسية، والذهنية. وهذا أمر مستقر ومستفيض. وقد قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]. وراجع الفتوى رقم: 139551.
ـ والثانية: أن العامي ومن ليس عنده قدرة على النظر في الأدلة ومقارنة الأقوال، فإنه يكفيه أن يستفتي من يثق به من أهل العلم والورع، فإن اختلف عليه المفتون قلد الأوثق في نفسه. وراجع في ذلك الفتويين: 5583، 120640. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 203266.
ـ والثالثة: أنه لا اقتران بين الرجحان وقول الجمهور أو الأكثر. فقد يكون قول الجمهور مرجوحا. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 200800.
وأما قول السائل: "فقد قلتم: لا يجوز مخالفة الجمهور. وقلتم للمستفتي: إن هذه مغالطة عظيمة .. كما في فتوى رقم: 208624. فهذا خطأ منه في الفهم والنقل، فنص الفتوى المشار إليها: "أما حكم الأخ السائل على القول بلزوم العمل بالراجح بأنه مخالف لسماحة الشريعة والرفق بالمسلم !! فمغالطة واضحة ...".
وفرق واضح بين عبارة "قول الجمهور" التي ذكرها السائل، وبين عبارة: "العمل بالراجح" كما جاء في فتوانا التي قلنا فيها بعد ذلك: "العمل بالراجح معناه العمل بما يغلب على الظن أنه مراد الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، بحسب ما ترجحه الأدلة، لا بالتشهي والهوى، ولا بالتشدد والورع ".
ونبهنا فيها أيضا على أنه لا حرج على المكلف في الأخذ بالأيسر في مسألة أو مسألتين ونحو ذلك عند حاجته لذلك.
وراجع في مسألة الخروج من خلاف العلماء الفتوى رقم: 204754. وفي مسألة استفتاء القلب الفتوى رقم: 203989 .
والله أعلم.