الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبحان الله، كيف ينسى الإنسان أو يتناسى أن هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنها دار معبر، وأن الآخرة دار المقر, والحياة الزوجية وسيلة للسير بها إلى الله تعالى وتحقيق سعادة الدنيا والآخرة، أو هكذا ينبغي أن تكون, فإذا غابت هذه الحقيقة عن بال كل من الزوجين حدث بينهما من الأمور ما لا يتصور، ومن الخصام ما لا يحتمل, فعلى كل من الزوجين أن يتقي الله في الآخر, ويجعله بابًا لدخول الجنة, وراجع الفتويين: 79901 - 58807 هذا أولًا.
ثانيًا: المفتى به عندنا فيما يتعلق بالغضب هو أن صاحبه مكلف إلا في حالة واحدة, وهي التي لا يعي فيها ما يقول, فإذا طلق الغضبان وهو مدرك لما تلفظ به وقع طلاق، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 35727 هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الراجح عندنا هو أن الطلاق البدعي يقع، ومنه طلاق المرأة في طهر جامعها زوجها فيه, كما هو مبين في الفتوى رقم: 31275.
ولا يشترط لوقوع الطلاق توثيقه عند مأذون أو غيره.
ثالثًا: إذا تلفظ الزوج بصريح الطلاق كأن يقول لزوجته مثلًا: "أنت طالق" ففي هذه الحالة يقع الطلاق, ولا اعتبار لقصد الزوج ونيته، فإن كنت في المرة الأولى تلفظت بمثل هذا اللفظ وأنت في وعيك وقعت الطلقة, وانظر الفتوى رقم: 117840, وكذلك الحال في المرة الثانية إن تلفظت فيها بصريح الطلاق وأنت واع, فالطلقة واقعة أيضًا, ولو لم تنوِ الطلاق.
رابعًا : حاصل الأمر في المرة الثالثة أنك طلقت زوجتك، فقد وقعت الطلقة.
وما ذكرته من أمر النية فيه لا أثر له, خاصة أن ما فعلته حصل وفقًا لما نويت ورددته في نفسك, وهو أنها إن قالت نعم طلقتها، وقد قالت ذلك وطلقتها فعلًا بناء على ذلك.
فحسب ما يظهر لنا أن زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى, فلا تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك - نكاح رغبة لا نكاح تحليل - ثم يطلقها؛ لقول الله تعالى : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.
وما ذهب إليه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من عدم وقوع الطلاق في المرتبة التي أشرت إليها قول معتبر، وما نفتي به ذكرناه سابقًا, وكان يسعك الأخذ بقولهم، أما وقد استفتيتنا فقد أفتيناك بما هو مترجح عندنا.
وننبه إلى بعض الأمور:
الأمر الأول: أن يتقي الزوجان أسباب الشقاق والنزاع قدر الإمكان، وأن يعرف كل منهما للآخر حقه عليه, ويقوم به كاملًا لتستقر الأسرة, ويدوم فيها المحبة والوئام كما أمر الله تعالى, وتراجع الفتوى رقم: 27662, والفتوى رقم: 93248.
الأمر الثاني: الحذر من الغضب, فإنه أصل لكثير من المفاسد والشرور، ووسيلة من وسائل الشيطان للوقيعة بين بني الإنسان - لا سيما الزوجان - ولمعرفة كيفية علاج الغضب يمكن مطالعة الفتوى رقم: 8038 .
الأمر الثالث: أن الواجب في مثل هذه الحالة الاستفتاء، ففرض العامي سؤال أهل العلم فيما يحتاج إلى معرفته، فإذا أفتوه بأمر وجب عليه المصير إلى قولهم. وأما الاستخارة فلا محل لها هنا.
والله أعلم.