الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذكرت في سؤالك أن والدك نفى قبل موته أن يكون عليه دين لأحد, هكذا" أنا مفيش عليه حاجة لحد " وبعد موته ادعى بعض الناس أن لهم عليه دينا وأظهروا شيكات بذلك. وإذا كان واقع الحال كذلك، فإن الشيك من خصائصه أنه ليس ورقة نقدية وإنما هو وثيقة بدين، كما جاء في مجلة البحوث الإسلامية في عددها السادس والعشرين.
وعليه؛ فالشيك قد يقوم مقام البينة حتى لو اعتبرناه مجرد وثيقة بحق.
جاء في منح الجليل: إذا كان بوثيقة في يد الطالب؛ لأن بقاءها بيده دليل على أنه لم يقضه دينه، إذ العادة أنه إذا قضى الدين أخذ عقده أو مزقه.
وعليه؛ فمرد تلك المسألة إلى القضاء ليفصل فيها، وقد يعتبر الشيكات بمجردها بينات كافية لثبوت حق أصحابها، وقد يطلب منهم غير ذلك.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه الطرق الحكمية: والمقصود أن " البينة " في الشرع: اسم لما يبين الحق ويظهره، وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس. وتارة شاهدين، وشاهدا واحدا، وامرأة واحدة، وتكون نكولا ويمينا، أو خمسين يمينا، أو أربعة أيمان. وتكون شاهد الحال في الصور التي ذكرناها وغيرها، فقوله - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي» أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له.
وبناء عليه؛ فإذا لم تصدقوا أصحاب الشيكات في دعواهم الدين على المورث، فيمكنهم رفع المسألة للقضاء للفصل فيها. فإن ثبت حقهم فيما ادعوه، فإن التركة كلها تكون لهم وليس للورثة شيء منها ما دام الدين يستغرق التركة, ومن المعلوم أن الدين مقدم على حق الورثة في المال؛ لقول الله تعالى في آيات المواريث: { ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... } النساء : 11 , ولا يجوز لأحد من الورثة أن يأخذ شيئا من التركة قبل قضاء الدين. وإذا كان الدين أكبر من التركة، فإن الدائنين يتحاصصون التركة بينهم فيأخذ كل واحد منهم منها بقدر نسبة ما له من الدين كله, فمن كان له ربع الدين الذي على الميت أخذ ربع التركة، ومن له نصف الدين الذي على الميت أخذ نصف التركة وهكذا. وانظر الفتوى رقم: 125065
والله تعالى أعلم.