الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما المشروع الأول: فلا نرى جواز العمل فيه؛ لكون السكن خاصا بالعاملين في الملهى الليلي، والكازينو، وهو من توابعهما، فلا يخلو بناؤه والسعي فيه من شبهة التعاون على الإثم والعدوان؛ لأن السكن كما بينا من المرافق الخاصة التابعة لمحلات اللهو والفجور، ولولاهما ما تم بناؤه ولا تشييده، والتابع تابع كما في القاعدة الفقهية، وللوسائل أحكام المقاصد، وقد حرم الفقهاء بيع السلاح زمن الفتنة وإن كان مباحا في أصله .. إلى نصوص أخرى أصل عليها فقهاء الملة الحنيفية أصلا عظيما وهو (سد الذرائع) وتحريم الوسائل للمقاصد المحرمة، بخلاف بيع الطعام لهم، وإسكانهم في مساكن عامة، فلا اختصاص ولا تبعية؛ وانظر نظير مسألتك هذه في الفتوى رقم: 56525 .
وكذلك المشروع الآخر: فلا يخلو من شبهة أيضا بل شبهات، ومنها كون الملاجئ تتضمن غرفا للعبادة، ويريدونها كنائس مصغرة بإشراف الكنيسة، وقد بينا حرمة العمل في ذلك والإعانة عليه كما في الفتوى رقم: 7204.
ومن الشبهات في هذا المشروع أيضا ما لو كان اليتامى من أبناء المسلمين، ويشيد تحت إشراف الكنيسة، وهي تدخل على الفقراء والأيتام من هذا المدخل الخطير، فتتخذ الملاجئ والخدمات الاجتماعية ستارا لكسب قلوبهم، وسد فاقتهم، وبالتالي تصدير التنصير لهم، وفي هذه الحال لا يجوز العمل فيه؛ لأن إعانتهم في ذلك ولو بالتصاميم الهندسية المعمارية يدخل في دائرة التعاون على الإثم والعدوان؛ وقد قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
والاحتياط في أمور الدين * من فر من شك إلى يقين
ثم إن أولى ما ينبغي أن يتحرى فيه الإنسان الحلال، ويتوقى فيه من الشبهات، المكاسب، ومجال الهندسة المعمارية الوظيفي مجال رحب، فإن فاتك العمل مع هذه الشركة، فلن تعدم عملا مباحا مع غيرها بإذن الله؛ وقد قال تعالى :{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب }. {الطلاق:2 - 3}. ولا شك أن من أعظم أبواب التقوى اجتناب الشبهات؛ وقد قال النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ : ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. متفق عليه.
وقال شيخ الإسلام ودرة الأنام: والتقوى تجمع فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه. ويروى عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا أبا ذر لو عمل الناس كلهم بهذه الآية لوسعتهم. ولهذا قال بعض السلف: ما احتاج تقي قط. يقول: إن الله ضمن للمتقين أن يجعل لهم مخرجا مما يضيق على الناس، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع عنهم ما يضرهم، ويجلب لهم ما يحتاجون إليه. فإذا لم يحصل ذلك، دل على أن في التقوى خللا، فليستغفر الله، وليتب إليه؛ ولهذا جاء في الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي أنه قال: من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب.
والله أعلم.