الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انزعاج النساء أو الكثير منهن من التعدد أمر طبيعي، لا لوم عليهن فيه، ما لم يفض إلى ارتكاب محرم، أو التقصير في واجب.
أما تجاوز حدود الغيرة الطبيعية للمرأة من التعدد الواقع من كثير من النساء، فأسبابه كثيرة:
منها - وهو أهمها ـ : ضعف التسليم، والاستسلام لأحكام الشرع.
ومنها: مشاعر الأنانية المفرطة لدى المرأة؛ لتستأثر بالزوج دون بنات جلدتها.
ومنها: التصور الخاطئ لمفهوم التعدد وتبعاته، وعدم استيعابهن للمفهوم الصحيح للتعدد وأبعاده.
ومنها: وقائع التعدد الفاشل المريرة المتكررة، وخشية الأولى من الظلم، والضيعة، والتفريط في حقوقها، وانظر اشتراط العدل للتعدد في الفتوى رقم: 7844
ومنها: عزوف كثير من قدوات المجتمع، ورموزه عن سنة التعدد.
ومنها: عقيدة المساواة في الحقوق بين الجنسين، والإعلام التغريبي الوافد المرسخ لها.
ومنها: شيوع فكرة أن قصور الأولى وراء التعدد، وانظر لنفي ذلك ما قررناه في الفتوى رقم: 15556.
ومنها: الجهل بحِكَم تشريع التعدد في الإسلام، وانظر للوقوف عليها الفتاوى التالية أرقامها: 2600، 2286، 71992.
ومنها: الجهل بحكمة تشريع النكاح أصلًا للجنسين .. إلى غير ذلك من الأسباب التي لا يحتمل مقام الفتوى بسطها وتفصيلها، وتنظر في حكم وأنواع الغيرة الفتاوى التالية أرقامها: 73141، 1995، 24118.
أما قول السائل: لماذا لم يذكر ذلك في القرآن العظيم؟ فلم يتضح لنا مراده منه، وإن كان مراده به ما ذكره بقوله: أعلم أنه لا يشترط وجود عيب في الزوجة حتى يقدم على الزواج بأخرى ـ فالجواب عنه أن الله عز وجل أباح التعدد بقوله: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ {النساء:3}الآية.
ولم يقيده بقصور الأولى، ولا بعجزها عن القيام بواجباتها، بل ولا بإذنها، وعلى من لم يستسلم لذلك أن يأتي بدليل يقيد ذلك الإطلاق، على أن السؤال إن كان اعتراضيًا فهو من سوء الأدب مع الله، وهو العزيز الحكيم القائل: اللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد:41}، والقائل: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.
والقرآن كلام الله، وكلامه ـ جل وعلا ـ من فعله، وفعله غاية الحكمة، فأي حق للإنسان الضعيف المخلوق أن يسأل الحكيم اللطيف الخبير سؤال اعتراض.
والله أعلم.