الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جمهور العلماء يرون أنه لا يجوز للمسلم أن يعمل في تنظيف بيوت الكفار ، ونحو ذلك من الأعمال التي فيها خدمة شخصية للكافر ، لما فيها من إذلال الكافر للمسلم، وهذا ممنوع شرعا .
قال ابن قدامة في المغني : ولا تجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته. نص عليه أحمد، في رواية الأثرم، فقال: إن آجر نفسه من الذمي في خدمته، لم يجز، وإن كان في عمل شيء، جاز. وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر: تجوز؛ لأنه تجوز له إجارة نفسه في غير الخدمة، فجاز فيها، كإجارته من المسلم. ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر، وإذلاله له، واستخدامه، أشبه البيع، يحققه أن عقد الإجارة للخدمة يتعين فيه حبسه مدة الإجارة واستخدامه، والبيع لا يتعين فيه ذلك، فإذا منع منه، فلأن يمنع من الإجارة أولى .اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : اتفق الفقهاء على جواز خدمة الكافر للمسلم . واتفقوا كذلك على جواز أن يؤجر المسلم نفسه للكافر في عمل معين في الذمة، كخياطة ثوب وبناء دار، وزراعة أرض وغير ذلك، لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره . ولأن الأجير في الذمة يمكنه تحصيل العمل بغيره. كما اتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر لعمل لا يجوز له فعله، كعصر الخمر ورعي الخنازير وما أشبه ذلك. واختلفوا في حكم خدمة المسلم للكافر بإجارة، أو إعارة أو غير ذلك. فذهب الحنفية إلى جواز ذلك؛ لأنه عقد معاوضة فيجوز كالبيع، ولكن يكره للمسلم خدمة الكافر؛ لأن الاستخدام استذلال، فكان إجارة المسلم نفسه منه إذلالا لنفسه، وليس للمسلم أن يذل نفسه بخدمة الكافر. وأما المالكية فقد ذكر ابن رشد: أن إجارة المسلم نفسه من النصراني واليهودي على أربعة أقسام: جائزة، ومكروهة، ومحظورة، وحرام. فالجائزة - هي - أن يعمل المسلم للكافر عملا في بيت نفسه، كالصانع الذي يصنع للناس. والمكروهة: أن يستبد الكافر بجميع عمل المسلم من غير أن يكون تحت يده مثل أن يكون مقارضا له، أو مساقيا، والمحظورة: أن يؤجر المسلم نفسه للكافر في عمل يكون فيه تحت يده كأجير الخدمة في بيته، وإجارة المرأة لترضع له ابنه وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكان له الأجرة. والحرام: أن يؤجر نفسه منه فيما لا يحل من عمل الخمر، أو رعي الخنازير، فهذه تفسخ قبل العمل، فإن فاتت تصدق بالأجرة على المساكين . وذهب الشافعية إلى حرمة خدمة المسلم للكافر خدمة مباشرة، كصب الماء على يديه، وتقديم نعل له، وإزالة قاذوراته، أو غير مباشرة كإرساله في حوائجه، سواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد، لقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} ولصيانة المسلم عن الإذلال والامتهان. ولكن يجوز إعارة المسلم أو إجارته للكافر مع الكراهة. وفي إجارة المسلم للكافر يؤمر بإزالة يده عنه بأن يؤجره لغيره ولا يمكن من استخدامه ، وقيل: بحرمة إجارة المسلم، أو إعارته للكافر واختاره السبكي. وذهب الحنابلة على الرواية الصحيحة إلى حرمة إجارة المسلم، أو إعارته للكافر لأجل الخدمة، لقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} .ولأنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله له. وفي الرواية الأخرى يجوز ذلك قيل: مع الكراهة وقيل: بدونها .اهـ.
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل في تنظيف بيوت الكفار ، ولو كان عملها مع زوجها .
وأما عمل المرأة في تنظيف بيوت المسلمين فلا حرج فيه ، إذا كان عملها لا يؤدي إلى الاختلاط المحرم بالرجال أو ظهور زينتها أمامهم .
وراجعي للفائدة الفتويين : 70426 ، 79191 .
والله أعلم.