الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلقد بلغت منك الوساوس مبلغًا عظيمًا، نسأل الله تعالى أن يعافيك منها.
واعلم أن من أهم وسائل التغلب على الوساوس بعد الاستعانة بالله عز وجل، الإعراض، والتلهي عنها، وقد ذكرنا بعض الوسائل المعينة للتغلب عليها في الفتويين: 51601، 3086
كما يمكنك الاستفادة من قسم الاستشارات بموقعنا، واستشارة المختصين بالطب النفسي.
واعلم أن الشيطان يتربص بابن آدم، ويكيد له بشتى المكائد وأنواعها؛ حتى يصده عن صراط الله المستقيم، فالشيطان للإنسان عدو مبين، وهو يكره لابن آدم أن يأنس بالله، ويقترب منه، فيريد دائمًا إبعاده عن ربه، وتقنيطه من رحمته؛ ولذا فهو يوسوس لك بأنك كافر ومنافق، وأن عقيدتك فاسدة، وإن حاولت تجاهل وساوسه، وسوس لك بأنك كاذب، وغير ذلك مما ييئس العبد من رحمة ربه، ومن ثم لا يبالي بالوقوع في المعاصي، وارتكاب المخالفات، والانهماك في الشهوات، وكل هذا من تلبيس إبليس اللعين وكيده لابن آدم، وانظر الفتوى رقم: 124254
وأما شعورك بالملل، وما تجده في نفسك تجاه بعض الآراء الفقهية، وما يعرض لك من سب للدين في قلبك، وغير ذلك، فهذا كله لا تؤاخذ بشيء منه -إن شاء الله- فضلًا عن أن تكفر به، ومن ثم فليس في هذا إثم أصلًا يستوجب التوبة، أو تجديد النطق بالشهادتين.
وأما استقرار الوساوس في القلب، فالمقصود بذلك أن يعتقدها الإنسان، ويؤمن بها في نفسه.
أما إن كان كارهًا لها، فهذا دليل على عدم استقرارها في قلبه، بل هذا من أدلة الإيمان، وانظر الفتوى رقم: 219478.
وكذلك الخوف من الكفر والنفاق دليل إيمان، وانظر الفتويين: 29642، 57266.
وأما بخصوص وضعك لأصابعك الخمس على فم أحد أفراد عائلتك ناسيًا فلا تؤاخذ به؛ لعموم قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. أخرجه أحمد، وابن ماجه.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ قول الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، قال: قال الله: قد فعلت.
فانفض عن نفسك كل هذه الوساوس والأفكار، وتشاغل عنها، وأعرض عن التفكير فيها، والاسترسال معها، وهذا هو معنى التجاهل، وأقبل على ربك، فإن أراد الشيطان تقنيطك من رحمة الله، فذكر نفسك بعظيم عفوه، ومغفرته، ورحمته جل وعلا، ولا يصدنك عن الإقبال على ربك معاودتك للمعصية بعد معاهدته على تركها.
وراجع للأهمية الفتاوى: 244465، 142663، 129609 ففيها إن شاء الله ما تقر به عينك، وتسكن إليه نفسك، وينشرح له صدرك من عظيم رحمة الله بعباده، وعفوه، ومغفرته.
وبخصوص العادة السيئة نوصيك بالاستعانة بالله عز وجل للاستمرار في مجاهدة نفسك على تركها.
وقد ذكرنا بعض الوسائل المعينة على ذلك في الفتاوى: 76495، 7170، 164945، 225073، 110232، 65187، 194891 وإحالاتها.
والله أعلم.