الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
بخصوص السؤال الأول: فإن الجمهور على أنّ الطلاق المعلّق يقع إذا وقع ما علّق عليه, سواء قصد به الزوج الطلاق، أو قصد التهديد, أو المنع, ونحو ذلك، وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع ثلاثًا ـ وهذا هو المفتى به عندنا ـ خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمّية الذي يرى عدم وقوع الطلاق المعلق إذا قصد به التهديد, أو التأكيد, أو المنع, ونحو ذلك, وأنّه يمكن حلّه بكفارة يمين, وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظر الفتوى رقم: 19162.
وبذا تعلم أنه بحصول ما علق عليه أبوك الطلاق تصبح أمك مطلقة بالثلاث، ولا تحل لأبيك حتى تنكح زوجا غيره ـ نكاحا صحيحا ليس بقصد التحليل ـ ويطلقها ذلك الزوج بعد الدخول بها، وتخرج من عدته، وهذا على ما نفتى به، وهو مذهب الجمهور ـ كما قدمنا ـ أما على قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فللمسألة حالتان:
الأولى: إن كان أبوك لم يقصد تعليق الطلاق على حصول زواج ابنته, وإنما قصد المنع من ذلك, فأكد بتلك اليمين, فإن حصل زواج البنت لم يقع الطلاق, وإنما تلزم الأب كفارة يمين بالله, وهي مبينة في الفتوى رقم: 2022.
والثانية: إذا كان الأب قصد تعليق الطلاق على زواج البنت, وقد حصل فتلزمه طلقة واحدة.
أما عن السؤال الثاني: فإن زواج البنت باطل ما دام قد وقع دون موافقة الأب الذي هو أولى الناس بمباشرة تزويجها، فموافقة الولي شرط من شروط صحة النكاح، فلا يصح النكاح بدونه، إلا إذا كان الولي عاضلاً لموليته، فإن القاضي حينئذ ينقل الولاية للولي الأقرب بعده، وانظر الفتوى رقم: 5855، والفتوى رقم: 34361، وما أحيل عليه فيها.
وهذا الزواج حيث حكمنا ببطلانه، فإنه يفسخ قبل الدخول وبعده، عند جمهور أهل العلم وانظر الفتوى رقم: 48966.
لكن الأحناف لا يشترطون الولي في النكاح، وعليه.. فلو حكم بصحة هذا النكاح قاض حنفي مضى، لأن حكم القاضى يرفع الخلاف في مثل هذه المسائل، جاء في أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي المالكي: حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ، وَتَتَغَيَّرُ فُتْيَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ لَا يَرَى وَقْفَ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِبُطْلَانِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ، فَاَلَّذِي كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ يُنْفِذُ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِالطَّلَاقِ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 125115.
والله أعلم.