الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على جواز تزويج الأب ابنته الصغيرة بدون إذنها، ومستنده -كما ذكرت- حديث عائشة -رضي الله عنها-؛ فهو إذن إجماع مستند إلى دليل شرعي، والإجماع حجة شرعية، وراجع الفتوى رقم: 230518.
وإجبار غير الأب للبكر محل خلاف بين الفقهاء، ذكر ابن قدامة الخلاف، ثم ذكر مستند تخصيص ذلك بالأب حيث قال: ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: [تستأمر اليتيمة في نفسها؛ وإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها] رواه أبو داود، والنسائي. وروي عن ابن عمر: [أن قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان، فرفع ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها]. واليتيمة الصغيرة التي مات أبوها، ولأن غير الأب قاصر الشفقة، فلا يلي نكاح الصغيرة كالأجنبي، وغير الجد لا يلي مالها؛ فلا يستبد بنكاحها كالأجنبي، ولأن الجد يلي بولاية غيره فأشبه سائر العصبات وفارق الأب فإنه يدلي بغير واسطة ويسقط الإخوة والجد ويحجب الأم عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين ... اهـ.
ومن أهل العلم من جعل لها الخيار -بعد البلوغ- في إمضاء الزواج من فسخه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 46777. وجمهور العلماء الذين يصححون العقد على الصغيرة يستحبون أن ينتظر والدها بلوغها ليستأذنها؛ قال النووي: اعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب أن لا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ، ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة. وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة، فيستحب تحصيل ذلك الزوج؛ لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها. اهـ.
والمراد بالاستئذان في الحديث الذي أشرت إليه: استئذانها في التزويج؛ قال المناوي في فيض القدير: (والبكر البالغ تستأذن في نفسها) أي يستأذنها وليها في تزويجه إياها ... اهـ. ولم نجد أحدًا من أهل العلم حمل ذلك على الجماع، والحديث خاص بالبكر البالغ؛ لأن الصغيرة مستثناة كما تقدم. والصغيرة إن لم تكن قد وصلت سنًّا تطيق فيه الجماع فلا يحق لوليها أصلًا تسليمها لزوجها كما ذكر الفقهاء، فليس في الأمر اغتصاب كما ذكرت، ولا ينبغي أن يغيب عن ذهنك أبدًا أن الأب أحرص على مصلحة ابنته ودفع الضر عنها.
والله أعلم.