الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فههنا مسائل:
1ـ لا مانع من دفع كفارة اليمين لعائلة أختك ـ زوجها وبناتها ـ إن كانوا فقراء، على أن تكمل بقية العدد من غيرهم وانظر الفتوى رقم: 136146. وأما الأخت الفقيرة: ففي إجزاء دفع الكفارة إليها خلاف، منشؤه حكم وجوب نفقتها على الأخ، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 44020، حيث رجحنا فيها وجوب النفقة على الأخ الوارث. وإذا لم يكن للأخت المذكورة أب حي ولا ولد ذكر، فإن الأخ هنا يرثها، قال ابن رجب الحنبلي: وقد أجمعت الأمة على أن الولد الأنثى لا يمنع الأخ أن يرث من مال أخته ما فضل عن البنت أو البنات. اهـ.
وبناء على ذلك، فلا يصح دفع الكفارة إليها، جاء في الشرح الكبير للدردير: إطعام عشرة مساكين...... وشرطه الحرية والإسلام وعدم لزوم نفقته على المخرج. اهـ. وفي مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: ولا يجزئ دفع كفارته إلى من تلزمه مؤنته، لاستغنائه بما وجب له من النفقة, ولأنها لله، فلا يصرفها لنفعه. اهـ. وفي أسنى المطالب: ويعتبر في المسكين والفقير أن يكونا من أهل الزكاة، فلا يجزئ الدفع إلى كافر ولا هاشمي ولا مطلبي، ولا إلى مواليهما، ولا إلى من تلزمه نفقته، ولا إلى عبد، لأن الكفارة حق لله تعالى، فاعتبروا فيها صفات الزكاة. اهـ.
2ـ الإطعام الذي جعله الله كفارة لليمين: قد بينه سبحانه بأنه إطعام عشرة مساكين من أوسط ما نعتاد أن نطعم منه أهلنا قدراً ونوعاً، لقوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ {المائدة:89}. فإن كان البرغل من أوسط أو أعلى ما تعتادون أكله، فلا بأس بإخراج الكفارة منه، وإن كان من أدناه، فلا تخرج منه الكفارة، والقدر الواجب أن يدفع إلى كل مسكين هو مد من طعام ـ أي حوالي 750جراما تقريبا ـ والأحوط أن يجعل قدر المخرج مدان أي كيلو ونصف تقريبا، وانظر الفتوى رقم: 242041.
3ـ إذا دفعت كفارتك للأسرة المذكورة وقبضوها، فقد صارت ملكا لهم، ومن ثم فلو استضافوك وقدموا إليك منها شيئا أو أهدوه لك، فلا حرج عليك في أكله، لأن وصفها قد تغير ولم تعد كفارة، ويدل لهذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: في شأن لحم بريرة الذي تصدق به عليها: هو عليها صدقة، ولنا هدية. متفق عليه. يقول الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: والإنسان إذا قبض المال على وجه شرعي، فإنه يكون ملكه، له أن يتصرف فيه بما شاء مما أحل الله عز وجل، فيعطيه من يحرم على المعطي الأول إعطاؤه، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته ذات يوم فقدم إليه طعام فقال ألم أر البرمة على النارـ البرمة إناء من خزف يستعمل بدل عن إناء الحديد ـ فقالوا بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تصدق به على بريرة ـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة ـ فقال: هو عليها صدقة، ولنا هدية ـ فدل ذلك على أن الإنسان إذا قبض الشيء بحق فإنه لا يحرم على غيره ممن لو قبضه من المعطي الأول لم يحل، ونظير ذلك الفقير يأخذ الزكاة ويجوز أن يصنع به طعاماً يدعو إليه الأغنياء فيأكلون منها، لأن الغني لم ينتفع به على أنه زكاة، بل أنه من هذا الفقير الذي ملكه بحق. اهـ.
وفي شرح بلوغ المرام للشيخ عطية سالم: غنيٌ تصدق على فقيرٍ بتمرٍ أو بلحمٍ أو بخبزٍ أو بأي شيء، ثم جاء الغني يزوره فقدم إليه طعاماً ومن ضمن الطعام ما كان تصدق به بالأمس عليه، فحينئذٍ تحل له تلك الصدقة، لأنها قدمت إليه باسم الضيافة، لا باسم الصدقة. اهـ.
والله أعلم.