الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالوصية لأحد الأحفاد بمثل نصيب أبيه وصية صحيحة، ويستحق بها هذا الحفيد مثل نصيب أبيه مضمومًا للأبناء كواحد منهم، على مذهب الجمهور.
وأما عند المالكية: فإنه لا يضم إلى الأبناء، وإنما يأخذ نصيب أبيه دون أن يضم إلى المسألة، فيكون نصيبه عند المالكية أكبر منه عند الجمهور، فلو كان للموصي أربعة أبناء مثلًا، يستحقون جميع التركة، فعلى مذهب الجمهور يكون للموصى له الخمس؛ لأنه يضم إلى الأبناء كواحد منهم، فيصيرون خمسة، وأما على مذهب المالكية فيكون له الربع، الذي هو نصيب كل واحد من الأبناء دون أن يضم إليهم الموصى له، فإن زاد هذا النصيب على الثلث، فإنه موقوف على إجازة الورثة، جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه لو أوصى لأحد بمثل نصيب أحد ورثته المعين، فإن الوصية صحيحة؛ لما روي عن أنس -رضي الله عنه-: أنه أوصى بمثل نصيب أحد ولده ـ ولأن المراد تقدير الوصية، فلا أثر لذكر الوارث، إلا أن الفقهاء اختلفوا فيما يستحقه الموصى له، فذهب الجمهور ـ وهم الحنفية، والشافعية، والحنابلة في المذهب ـ إلى أنه يستحق نصيب ذلك الوارث المعين مضمومًا إلى المسألة، فإذا قال مثلًا: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، ولا وارث له غيره استحق الموصى له نصف التركة إذا أجاز الابن الوصية، فإن لم يجز، فله الثلث، وكذا لو كان له ابنان أو بنون، فأوصى بمثل نصيبهما، أو بمثل نصيبهم، فالموصى له كواحد منهم، وذهب المالكية إلى أنه إن أوصى لشخص بمثل نصيب ابنه بأن قال: أوصيت لزيد بمثل نصيب ابني، أو بمثله، فإن لم يكن له إلا ابن، فيأخذ الموصى له جميع تركة الميت إن أجاز الابن الوصية، وإلا فله ثلث التركة فقط، فإن قال ذلك ومعه ابنان، فيأخذ الموصى له نصف التركة إن أجازا الوصية، وإلا فالثلث، ولا كلام لهما، وإن زادوا فله قدر نصيب واحد منهم، ولا كلام لهم، فإن كان مع الابن ذو فرض، فللموصى له جميع التركة بعد ذوي الفرض إن أجازوا الوصية. اهـ.
وطالما أن الجد قد خص بالوصية الذكور، فلا يدخل فيها الإناث؛ لأن العدل بين الأحفاد في الوصية ليس بواجب، بل إن ذلك لا يجب حتى في الهبة حال الحياة، عند جمهور أهل العلم، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 55172، ورقم: 112206.
هذه هي المسألة الأولى التي تتعلق بالسؤال.
وأما المسألة الثانية فهي أن يوصي الموصي بأكثر من وصية يزيد مجموعها على الثلث؛ إذ إن الموصي هنا أوصى لأحد أحفاده بنصيب أبيه، وهو يساوي الربع تقريبًا، وأوصى كذلك بثلث تركته للذكور من أبناء الأبناء، ومجموع ذلك يزيد على الثلث، فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة، فإن لم يجيزوه بطلت في ما زاد على الثلث، وتحاصَّ الموصى لهم في حدود هذا الثلث، جاء في الموسوعة الفقهية: الأصل في الوصية أنها لا تجوز بأزيد من ثلث المال إن كان هناك وارث، فإن كانت الوصية بأزيد من ثلث المال، فإن الزيادة على الثلث تتوقف على إجازة الورثة، فإن أجازوا جازت الوصية، وإن لم يجيزوا بطلت فيما زاد على الثلث، وعلى ذلك؛ فمن أوصى بوصايا تزيد على ثلث ماله، ولم يجز الورثة تلك الزيادة، وكان الثلث يضيق بالوصايا، فإن الموصى لهم يتحاصون في مقدار ثلث التركة بنسبة ما لكل منهم، فيدخل النقص على كل منهم بقدر وصيته، فمن أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بالسدس، ولم تجز الورثة، فالثلث بينهما أثلاثًا، فيقتسمانه على قدر حقيهما، كما في أصحاب الديون الذين يتحاصون مال المفلس، وهذا أصل متفق عليه بين المذاهب.. اهـ.
وأما السؤال عن ابن الابن الموصى له بنصيب أبيه، هل يدخل في الثلث الموصى به للذكور من أبناء الأبناء في الوصية العامة؟
فالجواب: أن هذا هو الأصل، إعمالًا للفظ الوصية، إلا إن ظهر من مراد الموصي غير ذلك.
والله أعلم.