الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإجهاض بعد نفخ الروح محرم بالإجماع؛ لأنه قتل بغير حق للنفس التي حرم الله، ولا يجوز الإقدام عليه إلا في حالتين: الأولى: إذا كان الحمل يشكل خطرا محققا على حياة الأم، ولا يثبت ذلك إلا بتقرير من طبيب مأمون، موثوق بخبرته.
والثانية: إذا مات الجنين في بطن أمه.
والظاهر من السؤال أن أياً من هذين السببين لم يكن موجودا في حالة السائلة، وبالتالي لم يكن يحل لها أن تجهض جنينها. ولكن نرجو ألا تكون آثمة لما ذكرته من حالها! حيث قالت: (كنت مغيبة، ومعتمدة على كلام الأطباء واعتقدت أن الطفل يتألم داخلي .. ومن جهلي كنت أحسب أن حالتي يسمح فيها بالولادة قبل الموعد إذا كان الجنين لن يعيش ... ) إلى آخر ما قالت.
ومع عدم الإثم، يبقى النظر فيما يترتب على الإجهاض من حقوق وأحكام أخرى، وهي الدية والكفارة، فقد اتفق الفقهاء على أن الجنين:
إذا انفصل عن أمه ميتا، فديته غرة، وهي عبد أو أمة يبلغ مقدار قيمتها عشر دية أمه. وأما الكفارة -وهي: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين - ففي وجوبها حينئذ خلاف بين أهل العلم، فأوجبها الشافعية والحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية.
وأما إذا انفصل الجنين حيا، ثم مات، ففيه الدية والكفارة عند الجميع.
والكفارة إذا وجبت فإنها تجب على كل من شارك في الإجهاض، كالمرأة والطبيب المباشر للعملية، لتعلقها بحصول القتل، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 347347، 134215، 359458.
وأما الدية فإن مستحقها هم: ورثة الجنين غير الجاني عليه بالإجهاض، فالمستحق هنا والد الجنين، فإن تنازل عن الدية سقطت.
ولكن الظاهر من قول السائلة: (أخاف أن أحاسب عليه أمام الله عز وجل أنا وأهلي وزوجي) أن هذا الإجهاض حصل بعلم الزوج وإذنه، فإن كان كذلك، فالراجح أن الدية تسقط ولا تجب أصلا؛ لأن مستحقها (الزوج) شارك في التعدي على الجنين بإذنه في الإجهاض، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 150549.
والله أعلم.