الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسائل النزاعات والمناكرات، ليست في الحقيقة من مسائل الفتوى، بقدر ما هي من مسائل القضاء، فإنه غالبا ما يكون فيها مناكرات ودعاوى، ويحتاج الأمر فيها لسماع جميع أطرافها، وإلا خفي من حقائقها ما يؤثر في الحكم عليها.
وقد ذكر السائل أنه جعل لنفسه نسبة من أرباح الأموال التي جمعها من أصدقائه وأقاربه، وأعطاها لشريكه ليضارب فيها، ولم يذكر هل حصل ذلك بإذن صريح أو ضمني من أصحاب الأموال، أم لا؟ كما لم يذكر هل أخذها على سبيل المشاركة في نسبة ربح المضاربة، أم على سبيل الوكالة، والأجرة على توصيلها للمضارب، أم على سبيل السمسرة والعمولة؟ وهل ستكون هذه النسبة من سهم شريكه المضارب فقط، أم من سهم أصحاب رؤوس الأموال فقط، أم من جملة الأرباح؟!
ولذلك فالأمر يحتاج إلى مجالس القضاء أو التحكيم، أو على الأقل إلى مشافهة أهل العلم؛ ليقفوا على تفاصيلها.
وعلى أية حال، فإنا نقول على وجه الإجمال الذي لا يصح الاعتماد عليه في الحكم: إن كان أصحاب رؤوس الأموال دفعوها للسائل على سبيل المضاربة، ثم هو أخذها ودفعها لمضارب آخر -وهو شريكه القديم- فإن هذا لا يصح إلا بإذن صريح أو ضمني من أصحاب رؤوس الأموال، وإلا فهو ضامن للمال إذا تلف أو خسر.
وأما إن كان السائل مجرد وسيط بينهم وبين المضارب، فإنه لا يضمن المال، ولكن لا يجوز له أن يأخذ النسبة المذكورة إلا بعلم من يدفعها من نصيبه. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 226606، 132006، 106729.
وأمر آخر ننبه عليه: وهو أن هذا الشريك ما دام لم يتاجر في المال حقيقة، وإنما كان يعطيهم أرباحا من أموالهم ذاتها، فعليهم أن يحتسبوا ذلك من أصل المال، ولا يطالبوا إلا بما يتمم لهم رؤوس أموالهم فقط. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 223750.
وأمر أخير ننبه عليه: وهو أن يد المضارب يد أمانة، فلا تضمن الخسارة إلا بالتعدي أو التفريط، فما حصل من خسارة بغير تعد ولا تفريط، فهي على أصحاب رؤوس الأموال، ويخسر المضارب جهده فقط. وراجع في ذلك الفتويين: 5480، 50829.
والله أعلم.