الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمبنى حكم أصل هذه المسألة على نية هذا الابن الميسور الذي ساعد والده بتلك المبالغ، فإن كان يفعل ذلك بقصد البر والهبة لوالده -كما هو ظاهر السؤال- فليس له لا المطالبة بها في حياة والده، ولا أخذها من تركته بعد مماته، وله في مقابل ذلك الأجر والثواب، وراجع في ذلك الفتويين التاليتين: 105078، 192339. وإن كان دفعها لوالده على نية الرجوع بها عليه، واعتبارها قرضًا، فله المطالبة بها في حياته، وأخذها بعد وفاته من تركته قبل قسمتها، ويمكن اعتبار ما كتبه الأب بينةً على صدق الدعوى في هذه الحالة.
وأما اعتبار الوالد لذلك دينًا عليه، وقيامه بتسجيله، من غير نية الرجوع من الابن، فهذه الجزئية من هذه المسألة لم نجد فيها كلامًا لأهل العلم بخصوصها، لكن الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن هذا بمجرده لا يوجب لابنه حقًّا عليه إذا كان الابن فعل ذلك متبرعًا، ولم يوجب لنفسه دينًا على والده؛ لأن مجرد القبول لا يؤثر دون حصول الإيجاب، قال ابن الرفعة في شرح التنبيه: القرض لا بد فيه من الإيجاب والقبول عند العراقيين، وصاحب التهذيب؛ لأنه تمليك، كالبيع والهبة. ... ثم صيغة الإيجاب أن يقول: أقرضتك، أو أسلفتك، أو ملكتك على أن ترد عليَّ بدله، فلو قال: ملكتك، ولم يذكر رد البدل، فهو هبة. اهـ.
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر: من العقود:
1) ما لا يفتقر إلى الإيجاب والقبول لفظًا.
2) ومنها: ما يفتقر إلى الإيجاب والقبول لفظًا.
3) ومنها: ما يفتقر إلى الإيجاب لفظًا، ولا يفتقر إلى القبول لفظًا، بل يكفي الفعل.
4) ومنها: ما لا يفتقر إليه أصلًا، بل شرطه: عدم الرد.
5) ومنها: ما لا يرتد بالرد.
فهذه خمسة أقسام. فالأول منه: الهدية، والثاني: البيع والصرف والسلم، وكذا القرض في الأصح، والثالث: الوكالة والقراض، والرابع: الوقف على ما اختاره النووي، والخامس: الضمان ... اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 110144.
والله أعلم.