الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن المذموم المنهي عنه شرعًا أن يفضل الوالد أحد أولاده بشيء دون معنى أو حاجة تقتضي ذلك، كالفقر، أو المرض، أو كثرة العيال، ونحو ذلك.
وكما يدخل في هذا المنع ما كان على سبيل التمليك، كالهبة، والصدقة، والهدية، وأي نوع من التبرعات، يدخل فيه أيضًا ما ليس تمليكًا للعين أو الرقبة، كالوقف، والقرض، والعارية، وإباحة المنافع، فلا ينبغي للوالد تفضيل أحد أبنائه بشيء من ذلك دون مسوغ، قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: سواء أكانت تلك العطية هبة، أم هدية، أم صدقة، أم وقفًا، أم تبرعًا آخر، فإن لم يعدل لغير عذر، كره عند أكثر العلماء، وقال جمع: يحرم ... وذكر الدميري في بعض نسخه: أنه لا خلاف في طلب التسوية بينهم حتى في الكلام، وهو متجه. اهـ. وقال العبادي في حاشيته على التحفة: (قوله: أم تبرعًا آخر)، كالإباحة. اهـ.
ونقل الشرواني في حاشيته عن عمر البصري أن ذلك يشمل ما لو كان بطريق المحاباة في ضمن عقد. اهـ.
وقال قليوبي في حاشيته على شرح المحلي على المنهاج: قوله: (في عطية إلخ) الشامل للصدقة، والوقف، والهدية، ومثلها الكلام، والتودد، ولو نحو صلة. اهـ. وراجع في ذلك الفتاوى التالية: 76687، 75951، 369709.
وعلى الوالد إن خالف ذلك دون سبب يقتضيه: أن يسترد القرض، أو أن يقرض بقية أولاده كذلك.
وأما ربح القرض الذي اكتسبه المقترض، فهو له؛ لأنه زيادة منفصلة حدثت في ملكه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 169761. وراجع في أصل مسألة العدل بين الأولاد في العطية الفتويين: 6242، 104914.
وأما بالنسبة لمن فُضِّل من الأبناء بعطية دون مسوغ، فعليه أن يسترضي إخوته، أو يردَّ ما فُضل به، وراجع في ذلك الفتاوى التالية: 116657، 115094، 114813.
ولا حرج على الابن أن يطلب من أبيه العدل بينه وبين بقية إخوته في العطية، ما دام ذلك بأسلوب يناسب مقام الوالد، جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة): إذا رأيت من أبيك تقصيرًا نحوك دون إخوتك، فاطلب منه بأدب، ولين جانب ما قصر به عليك، وبين له أن العدل بين الأولاد واجب شرعًا، فإن عدل بينكم، فالحمد لله، وإلا، فإنه لا يجوز لك -والحال ما ذكر- أن تأخذ من ماله لإصلاح ما ذكرت بدون علمه، وعليك في هذا الصبر؛ لعل الله أن يهديه. اهـ.
والله أعلم.