الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح الحال بين أبيك وأمك، وبينكم وبينه.
ونوصيكم بالصبر عليه، والدعاء له بخير، فالله عز وجل قادر على إصلاحه، فهو على كل شيء قدير، وقلوب العباد بيديه، يقلبها كيف يشاء.
وهجره لأمّك إن لم يكن له ما يسوغه، فهو أمر منكر.
وهجر الزوج زوجته له ضوابطه الشرعية، ومن ذلك: أن يكون حال نشوزها، ويهجرها في المضجع، وسبق أن أوضحنا ذلك في الفتويين: 103280، 62239.
والراجح أن الزوجة يجب عليها خدمة زوجها بما جرى به العرف، ولكن إن كانت الزوجة مريضة، فقد أوجب أهل العلم لها خادمًا، ويمكن الاطلاع على كلامهم في الفتوى: 138123.
فإن لم يكن بمقدور أبيكم أن يوفر خادمًا، فليس له أن يكلّف أمكم ما لا تطيق، ولا أن يؤاخذها بما تعجز عنه، فالتكليف منوط بالاستطاعة، كما قال الفقهاء، مستدلين بقول الله عز وجل: لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:233}.
وينبغي له وللأولاد مساعدتها في أمر الخدمة، فأمور الأسرة تحتاج إلى تعاون بين الجميع؛ وذلك من مصادر سعادتها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يساعد أهله في أمر الخدمة، روى البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله. فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة. وفي مسند أحمد عنها -رضي الله عنها- أنها سئلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشًرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.
ويجب على أبيكم نفقة أمكم، ولو كانت غنية.
ويجب عليه كذلك أن ينفق على أولاده الصغار الذين لا مال لهم، وكذلك من لا مال لهنّ من بناته حتى تبلغ الواحدة منهن، ويدخل بها زوجها.
واختلفوا أيضًا في البنت التي بلغت الحلم، هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج، وهذا هو الراجح؛ لعجزها عن التكسب، ولأن إلزامها بالتكسب يفضي إلى مفاسد عظيمة.
ووقع الخلاف بينهم أيضًا في حكم نفقة الابن البالغ الذي لا مال له، والجمهور على أنها لا تجب عليه، خلافًا للحنابلة. ونرجو مراجعة الفتويين: 69148، 131622.
ولا يجب على أمّكم أن تنفق على نفسها، ولا على أولادها من مالها، إلا أن تشاء بطيب نفس منها.
وإذا بخل أبوكم بالنفقة، وعثرت له على مال، جاز لها أن تأخذ بقدر نفقتها وولدها دون علمه، وانظر الفتويين: 33898، 49843.
وننصح بأن يتم الصلح بين أبيكم وأمكم، فقد قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء:128}.
ويمكن توسيط العقلاء، والفضلاء من الناس عند الحاجة لذلك.
ولا يجوز لزوجته الأخرى الخروج من البيت بغير إذنه.
ولا يلزمه شرعًا أخذها لأهلها كلما رغبت.
وإن طلقها لا يكون ظالمًا لها على كل حال؛ لأن الطلاق مباح، ولكنه يكره إن لم تدع إليه حاجة.
ونوصيه بمناصحتها بالمعروف، عسى الله أن يصلحها، ولا يطلقها إلا إذا ترجحت عنده مصلحة طلاقها.
والله أعلم.