الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على الفرق بين مخالفة العقد الذي تراضى عليه طرفاه لقانون العمل، وبين مخالفة الشخص لقوانين المرور ونحوها. فالأول له أصل محكم في الشرع، وهو الوفاء بالعقود، والوقوف عند الشروط المشروعة. وأصل آخر وهو أن مال المرء لا يحل إلا بطيب نفس منه.
وبالتالي، فإذا تعاقد طرفان -مثلا- على إجارة شرعية بشروط معينة، تراضيا عليها اختيارا، فإن التمسك بهذه الشروط هو الذي يدل عليه الأصلان السابقان، حتى ولو خالفت هذه الشروط عرفا مستقرا، وعادة مطردة؛ لأن العقد والاتفاق الخاص أقوى من العرف المطرد، ومثله القانون العام. فأين هذا من مخالفة قوانين المرور ونحوها مما لا يتناوله عقد خاص، ولا يخضع لتقديرات الأفراد؟! بل هو مصلحة عامة لا يُتصور حصولها إلا بجريانها على الجميع دون مراعاة لاختيار الأفراد وإرادتهم. فهل نسوِّي بين ذلك، وبين حكم المرء في خاصة ماله، ومراعاته لمصالحه الشخصية، دون أن يجبر أحدا على قبول ذلك. وانظر للفائدة الفتوى: 369841.
وخذ مثالا على ذلك: مسألة التسعير، فبرغم من وجود مصالح ظاهرة لوضعه في بعض الأحيان، وإلزام ولي الأمر به، إلا أن جمهور الفقهاء على منعه؛ عملا بالأصل، وعملا بما ورد من أدلة السنة، وراجع في ذلك الفتوى: 26530.
وإذا اتضح ذلك فلا غرابة إذا قلنا: إن الأصل هو العمل بالشروط المتفق عليها التي حصل عليها التراضي في العقد الخاص، ولو خالفت العرف العام؛ لأن الطرف المتضرر من أحد هذه الشروط بإمكانه أن يرفض، أو لا يدخل في هذا العقد أصلا. ومع ذلك ففي الأحوال التي يظهر من تقنين ولي الأمر لها مصالح عامة لا تتأتى إلا بها؛ فحينئذ يكون العمل بالقاعدة الفقهية التي تقول: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.
وجاء في الموسوعة الفقهية: قد يكون الإجبار ـ الإكراه ـ حقا لولي الأمر بتخويل من الشارع، دفعا لظلم أو تحقيقا لمصلحة عامة. اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 126169، 137746.
ومرجع النظر في الأحوال الخاصة يكون للراسخين في العلم وأهل الاختصاص، كل مسألة على حدة.
وأخيرا ننبه على أن النظر القانوني دائما أو غالبا ما ينحاز إلى الطرف الأضعف في العقد، وهو العامل، على حساب صاحب العمل، وهذا وإن كان وجهه مفهوما؛ إلا أن تعميمه وإطلاق الحكم به لا يخلو من نظر، وقد يترتب عليها أنواع من المظالم أو المفاسد في بعض الأحيان.
والله أعلم.