الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسائل التي فيها خصومة ومنازعات، لا تفيد فيها الفتوى، وإنما مردها إلى القضاء الشرعي، فهو صاحب الاختصاص.
ومن حيث الحكم الشرعي بخصوص الشقة المؤجرة بعقد الإيجار القديم الذي يخلو من تحديد مدة الإجارة، وينصّ على تأبيدها، فهذا عقد باطل، ولا حقّ لبنات خالة والدتك، ولا لغيرهم في البقاء في الشقة، والواجب عليهم تسليمها لمالكها، حيث طلب تسليمها دون تأجيل، ولا طلب عوض، وإلا كانوا آثمين غاصبين لحقّ غيرهم، جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية: أما لو أمسك المستأجر العين ولم يسلمها لصاحبها، فكل كسبه وانتفاعه منها حرام وسحت، لأنه ليست هناك إجارة على التأبيد، حتى لو أجازها القانون، وكل لحم نبت من سحت، فالنار أولى به. وراجعي الفتوى: 179523.
وأمّا القطيعة التي بينك وبين هؤلاء القريبات، فقد ذكرت أنها حاصلة من جهتهم، فإذا كان الأمر كذلك، فذمتك بريئة، ولا إثم عليك، ولكن يبقى النظر فيما ذكرت من مبادرتها بطلب العفو، وسبق أن ذكرنا وجوب الإجابة إلى الصلح عند الاعتذار من أحد الطرفين، وأن من يصر على القطيعة، فالإثم من جهته، فراجعي الفتوى: 48026، وهل يدخل في ذلك طلب العفو العام، والذي أسميته بالطريقة غير المباشرة؟ لم نجد كلامًا لأهل العلم في ذلك، والذي يظهر لنا - والله أعلم - أنه لا يلزمك القبول، ولا تأثمين إن لم تفعلي.
ولكن عموماً، فإن الصلح خير، وقربة من أفضل القربات، وخير المتهاجرين من يبدأ بالسلام، كما ثبت في السنة الصحيحة، فبادري بنفسك أو اجعلي بينك وبينهم بعض أهل الخير، وانظري الفتوى: 106360، ففيها بيان فضل الإصلاح بين الناس.
وتزول الهجرة عند جمهور العلماء بمجرد السلام، قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: قال أكثر العلماء تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه، وقال أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولاً، وقال أيضاً: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام، وكذا قال ابن القاسم. انتهى.
واعلمي أنّ العفو عن المسيء؛ من أفضل الأعمال، وهو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور22}.
والله أعلم.