الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أشرنا إلى أن هذه المسألة محل اختلاف ونظر واجتهاد؛ لعسر مأخذها، وتباين أحوال الناس فيها.
وأن الذي يظهر لنا هو أن الذكر أثناء المعصية، يختلف حكمه بحسب حال الشخص نفسه، وما قام في قلبه من دواعي تحريك لسانه بالذكر، أو الدعاء، أو الاستغفار، فلا يستوي الغافل المستهين بالمعاصي، مع الخائف من ربه، الراغب في توفيقه للتوبة. وراجعي تفصيل ذلك في الفتوى: 362833 وما أحيل عليه فيها.
وأمر آخر ننبه عليه، وهو الفرق بين المحرم لذاته كشرب الخمر، والمحرم لغيره كأكل الطعام المسروق، فضلا عن أكل الحلال أثناء معصية أخرى لا تتعلق بالطعام، فالأول هو الذي يُمنع من التسمية عليه، وأما الثاني فالظاهر أنه كالوضوء بالماء المغصوب، فتشرع التسمية عليه؛ لأن الوضوء نفسه ليس بمعصية، وإنما المعصية في غصب الماء.
وأما الثالث فلا علاقة فيه للأكل بالمعصية أصلا. وهذا كالشخص الذي ذكرته السائلة: وهو الذي يسرق وأثناء السرقة شرب الماء. وراجعي للفائدة الفتوى: 195689.
وكذلك الحال في التفريق بين من يحمد الله تعالى على تيسير المعصية أو إتمامها، وبين من يحمد الله تعالى على ستره أثناء المعصية وعدم افتضاح أمره، كالسارق الذي لم يقبض عليه، فحمد الله لذلك لا للسرقة ذاتها.
وكذلك ينبغي التفريق بين الحفلات والمناسبات التي هي في ذاتها منكر، أو تقام لغرض محرم في ذاته، وبين الحفلات التي تقام لغرض مشروع ولكن يحصل فيها شيء من المعاصي، كالتبرج والاختلاط مثلا. فالأولى معصية مطلقا، وأما الثانية فليست كذلك، والمنكر فيها عارض وليس أصليا.
وعلى أية حال، فليس غرضنا تتبع عبارات السؤال والتعليق عليه جميعا، وإنما غرضنا التنبيه على خطأ التسوية بين الأشياء المختلفة، وبين أفعال الناس المتباينة. وقبل ذلك على عسر مأخذ أصل المسألة واختلاف العلماء فيها.
والله أعلم.