الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على حرصك على البعد عن أسباب الفتن، وعلى طلبك العفاف، وتحري ذات الدين والخلق.
والولي شرط لصحة النكاح، في قول جمهور الفقهاء، وهو الذي نرجحه، وعليه الفتوى عندنا، وانظر الفتوى: 5855، ولا فرق في هذا بين البكر والثيب.
وما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها. فليس مقصودًا به عدم اشتراط الولي للثيب، ولكنه متعلق بأمر الرضى، وأن الثيب أحق بالرضى، فلا تتزوج حتى تنطق بالإذن، بخلاف البكر, فيكفي في حقها السكوت.
وبناء على ما نفتي به؛ يكون هذا العقد فاسدًا، ولا اعتبار لموافقة الولي بعد تمام العقد، قال الخطابي في معالم السنن: العقد إذا وقع بلا إذن الأولياء، كان باطلًا، وإذا وقع باطلًا، لم يصححه إجازة الأولياء. اهـ.
والأمر على ما قرأت من أنه إذا لم يمكن الولي الحضور، وكّل من يقوم مقامه، وراجع فتوانا: 154203.
وإن كان غائبًا، ولا يمكن الوصول إليه، أو مراسلته، ولم يوجد غيره من الأولياء، تولّى القاضي نكاحها.
فإن لم يوجد القاضي المسلم، فإنها توكّل رجلًا عدلًا من عامة المسلمين، كما ذكر الفقهاء، وتجد كلامهم في الفتوى: 72019.
ولكن محل فساد هذا العقد هو ما لم يمضه قاض يرى صحته، أو تكونا مُقَلِّدَين فيه لمن يرى عدم اشتراط الولي، وإلا كان صحيحًا.
وننبه إلى أنه يجب على المسلم سؤال أهل العلم فيما يحتاج إلى معرفة حكمه الشرعي قبل الإقدام على الفعل، قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته، فيما لا يعلمه من أمر دِينه، ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه؛ حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.
والله أعلم.