الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة لا يجوز لها الخروج أمام الرجال الأجانب عنها بالملابس الضيقة التي تصف حجم أعضائها، كما سبق بيانه في الفتاوى: 13914، 139848، 119046.
والذي نفتي به هو وجوب ستر الوجه والكفين -مع تقرير أن المسألة فيها خلاف سائغ بين العلماء، وليست محلا للإنكار-، والذي نقرره أيضا: أنه لا يجوز لمن تأخذ بالقول بجواز كشف الوجه، أن تتزين بالمكياج، وتخرج به أمام الرجال الأجانب، كما سبق في الفتاوى: 340381، 3354، 318259.
وبعد هذا: فالذي يعنيك أيتها الأخت هو تعلم هذه الأحكام، وبذل النصح والبيان برفق ورحمة، وصدق نية لمن ترين منها مخالفة.
وأما مبحث التفسيق، والحكم على الأعيان، وإجراء أحكام الفسق عليهم، فباب آخر عظيم، وليس من شأنك، ولا حاجة لك به. وراجعي لمعرفة مجملة حول ضابط الفسق، الفتوى: 341074.
ويحسن بك التنبه إلى أمور جليلة أنت أحوج إليها من التفاصيل التي شققتها في سؤالك:
أوّلها: أن وقوع الشخص المعين فيما يوجب الفسق، لا يقتضي الحكم عليه بأنه فاسق، فقد يكون معذورا بتأويل أو نحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإنما "المقصود هنا" أن ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه يعذر فيه؛ إما لاجتهاد، أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته.
فإن نصوص "الوعيد" التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك، لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع. لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع.
هذا في عذاب الآخرة، فإن المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته وغضبه في الدار الآخرة، خالد في النار أو غير خالد، وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق يدخل في هذه "القاعدة" سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية، أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال.
فأما أحكام الدنيا فكذلك أيضا؛ فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقا بدعوتهم؛ إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة، وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة.اهـ. من مجموع الفتاوى.
ثانيها: أن أهل العلم والإيمان كما يحرصون على إظهار الحق وإقامته، فإنهم يحرصون على رحمة الخلق والشفقة عليهم.
قال ابن تيمية: وأهل السنة والعلم والإيمان يعرفون الحق، ويتبعون سنة الرسول، ويرحمون الخلق، ويعدلون فيهم، ويعذرون من اجتهد في معرفة الحق فعجز عن معرفته؛ إنما يذمون من ذمه الله ورسوله، وهو المفرط في طلب الحق؛ لتركه الواجب والمعتدي المتبع لهواه بلا علم؛ لفعله المحرم. فيذمون من ترك الواجب، أو فعل المحرم؛ ولا يعاقبونه إلا بعد إقامة الحجة عليه كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. لا سيما في مسائل تنازع فيها العلماء، وخفي العلم فيها على أكثر الناس. اهـ. من مجموع الفتاوى.
ثالثها: أن التشوف والتطلع إلى الحكم على الناس بالفسق وعقوبتهم، قد يكون أمارة على الإعجاب بالنفس، واحتقار المسلمين والاستعلاء عليهم، وهذه أمراض وذنوب لعلها أكبر من المعصية التي تُنكر على العاصي!
قال ابن القيم: تعييرك لأخيك بذنبه، أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به.
ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع، والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب، أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله! وما أقرب هذا المُدلّ من مقت الله، فذنب تذل به لديه، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه.
وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما، خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك إن تضحك وأنت معترف، خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر .اهـ. من مدارج السالكين.
والله أعلم.