الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يتعلق الحكم على الأوبئة والأمراض بحسب البلاد التي تقع فيها، وإنما يتعلق ذلك بالأشخاص الذي يصابون بها، فهي تصيب المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ولكنها تكون لقوم رحمة، ورفعة في الدرجات، كخواصِّ المؤمنين. ولقوم مغفرة وطهرة من السيئات، كعصاة المسلمين. ولقوم عقوبة ونقمة على المنكرات، كأهل الكفر الظالمين. وكلُّ بحسب حاله وعمله ومنزلته. وراجع في ذلك الفتوى: 333442. وما أحيل عليه فيها.
وحكمة الله تعالى في ذلك لا تحيط بها العقول، وإن كانت تدرك شيئا منها، فهذا الطاعون قد أصاب أفاضل هذه الأمة، ومات به من خيارها طائفة كبيرة، منهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وحِبُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلم الأمة بالحلال والحرام: معاذ بن جبل. ومع ذلك فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الطاعون رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه. رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم-: كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث فيه لا يخرج من البلد، صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد. رواه البخاري.
وهذا الجذام يصيب الصالحين الكبار، كالصحابي الجليل: معيقيب بن أبي فاطمة الدّوسي، أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وشهد بيعة الرضوان، وكل المشاهد بعدها، وكان على بيت المال لعمر بن الخطاب، ثم كان على خاتم عثمان بن عفان.
قال ابن الجوزي في المنتظم: كان عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يأكل معه ويقول: لو كان غيرك ما آكلني فِي صحفة، ولكان بيني وبينه قدر رمح. وكان إذا شرب من الإناء وضع عمر فمه موضع فمه فيشرب، وكان قد أسرع فيه الجذام، وكان عمر يطلب له الطب، فقدم رجلان من أهل اليمن، فقَالَ لهما: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح ... اهـ.
والمقصود أن هذه الأمراض والأوبئة تصيب شخصا، وتكون في حقه رحمة ورفعة؛ لصبره واحتسابه، ورضاه وتقواه، وتصيب آخر وتكون في حقه نقمة، وعقوبة معجلة في دنياه. ويبقى الفرق المهم بينهما في منزلتهم من الله تعالى، وحالهم عند لقائه. وراجع في ذلك الفتوى: 118197.
والله أعلم.