الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك لا ينفق على أمك، ومن تجب عليه نفقته من أولاده؛ فهو مفرط. فنفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج بقدر الكفاية، كما هو مبين في الفتوى: 113285.
وقد جاء من الوعيد في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عَمروِ بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كَفَى بالمرء ِإثْماً، أن يضيع منْ يَقوت.
وتراجع للمزيد، الفتوى: 51048.
ولا يلزم أباك شرعا أن يسدد ديون زوجته الثانية إن لم تكن قد استدانت في نفقة واجبة عليه، ولا يجب عليكم أنتم أيضا سداد ديون أبيكم.
ويمكن مطالعة الفتويين: 121017، 411571.
وإن أمكنكم القيام بسداد ديونه برا به وإحسانا إليه، فهي قربة من أعظم القربات.
والكره القلبي للتصرفات السيئة لأبيكم، لا مؤاخذة عليكم فيه؛ لأن الأمور القلبية لا كسب للمرء فيها ولا اختيار، قال تعالى في دعاء المؤمنين: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، ثبت في صحيح مسلم أن الله عز وجل قال:"قد فعلت".
ولكن يجب الحذر من أن يترتب على هذا الكره القلبي أي تصرف يؤذي الأب من قول أو فعل؛ لأن هذا موجب للعقوق، والذي هو كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أسباب سخط علام الغيوب، وانظر الفتوى: 176053.
فتجب عليكم التوبة إن رفعتم صوتكم عليه، فإنه عقوق، وكذلك دعاؤكم عليه؛ فإنه منكر عظيم، تجب عليكم التوبة منه.
والإنكار على الأب وبذل النصح له مشروع، ولكن يجب أن يكون ذلك بمزيد من الرفق والحسنى، فالإنكار عليه ليس كالإنكار على غيره.
جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل: من أمر الوالدين بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. اهـ.
ونوصيكم بالصبر عليه، وكثرة الدعاء له أن يهديه الله لأرشد أمره، فهذا من أعظم إحسانكم إليه، ولعل دعوة صالحة من قلب صادق تصادف وقت إجابة يصلح الله بها أمره، ولا تيأسوا من ذلك أبدا.
بقي أن نبين أنه لا يجوز لك منع أبيك حقه في ملكيته في هذا المحل الذي سجله باسمك، وراجع الفتوى: 111422.
والله أعلم.