الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإننا نخشى أن تكوني قد خُدِعْتِ بهذا الرجل، وما قد ظهر لك من حاله، أو بثناء من أثنى عليه ممن لا يوثق به من الناس.
والذي ينبغي للمرأة إذا تقدم لها خاطب أن تسأل عنه من يعرفه، وتعاملوا معه من الثقات، كما فعلت تلك المرأة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي الصحيحين: أن فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- قالت له: إن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه. وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد. فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة. فنكحته، فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت به.
قال ابن قدامة في المغني: ذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كالمستشيرة له فيهما، أو في العدول عنهما إلى غيرهما. وليس في الاستشارة دليل على ترجيح أحد الأمرين، ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه و سلم- لترجع إلى قوله ورأيه. اهـ.
وقد ذكرت عن زوجك هذا جملة من التصرفات -فإن صحت عنه- فإنها تدل على معصيته لربه، وتفريطه في حقك كزوجة وسوء عشرته لك.
وهو مأمور شرعا بأن يحسن عشرتك، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وهذه المعاشرة بالمعروف تتضمن جملة من المعاني الجميلة.
قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقّها -من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك-، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ.
فنوصيك أولا بالصبر عليه، وكثرة الدعاء له بالهداية، وأن تبذلي له النصح بالحسنى، وتستعيني عليه بمن ترجين أن يقبل قوله إن رأيت الحاجة لذلك.
وإن كان يشك فيك ويتهمك بما ليس فيك، فقد أتى بهتانا وإثما عظيما، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}.
وذكريه بأن الواجب عليه أن يحسن الظن بك. وينبغي أن تحرصي على الابتعاد عن كل ما يمكن أن يدعو للشبهة، فشأن المؤمن اجتناب مواطن الشبهات، كما أوضحنا في الفتوى: 55903.
والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تعتدي على زوجها بسب، أو بضرب، ونحو ذلك؛ فإن هذا يتنافى مع مقتضى قوامته عليها، فقد قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ {النساء:34}، ولكن إن كان ذلك على سبيل القصاص من غير بغي أو عدوان، فلا حرج في ذلك، وراجعي فتوانا: 312607.
ولا يلزمك شرعا المبادرة بطلبه للفراش، أو عرض نفسك عليه، ولم يأمر الشارع المرأة بذلك؛ لكونها قد جبلت على الحياء. وإن وصفك بأنك ملعونة لكونك لم تقومي بذلك، فقد جنى عليك جناية عظيمة، وقد جاء الشرع بالنهي عن اللعن بغير وجه حق. وقد ذكرنا بعض النصوص بهذا الخصوص في الفتوى: 291886.
ونؤكد في الختام على أمر الدعاء والسعي لإصلاح الحال، فإن تيسر ذلك، فالحمد لله، وإلا فانظري في أمر فراقه بالطلاق أو الخلع إذا ترجحت المصلحة، وإلا فاصبري عليه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
والله أعلم.