الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالشركة التي تأخذ ما دفعته للمستهلك في الثمن دون زيادة، تعتبر مقرضة قرضا حسنا للمستهلك، والقرض الحسن جائز، بل مستحب من حيث الجملة. ولكنا نستبعد وقوع مثل هذه الصورة من شركات التمويل، فهي ليست جمعيات خيرية أنشئت للإرفاق بالناس، وإنما قامت للكسب، واستثمار الأموال. فالغالب أنها تربح بوجه من الوجوه، ولو من غير المستهلك.
ومثال ذلك: أن تتفق هذه الشركة مع محل معين، أن من يشتري منه، تدفع هي الثمن بدلا عنه، ويكون لها نسبة معينة تأخذها من المحل. وفي هذه الحال: فالشركة مقرضة، وقد جرت نفعا لنفسها بالقرض، ولكن من غير المقترض، وهذا نصَّ بعض أهل العلم على حرمته، واشترطوا لصحة القرض أن يخلو من أي منفعة لغير المقترض.
قال ابن رشد في «البيان والتحصيل» (7/ 108): لا يحل السلف إلا أن يريد به المسلف منفعة الذي أسلفه خالصا لوجه الله خاصة، ولا لنفسه، ولا لمنفعة من سواه. اهـ.
وقال الحطاب في «تحرير الكلام في مسائل الالتزام» (ص386): القسم الأول -يعني القسم الذي يفسد به القرض- كل ما جر نفعًا لغير المقترض، سواء جره للمقرض، أو لغير المقرض، والمقترض ... فكل شرط أدى إلى منفعة غير المتسلف، فإنه يفسد به القرض. اهـ.
وقال النفراوي في «الفواكه الدواني» (2/ 89): (ولا يجوز) أي يحرم (سلف يجر نفعا) لغير المقترض، بأن يجر للمقرض -بكسر الراء-، أو لأجنبي من ناحية المقترض؛ لأن السلف لا يكون إلا لله، فلا يقع جائزا، إلا إذا تمحض النفع للمقترض. اهـ.
وأما الشركة التي تأخذ 10%، فإن كانت تعطي المال للمستهلك، وتأخذه منه آجلا بزيادة هذه النسبة، فهذا قرض ربوي صريح متفق على حرمته.
قال ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا على أن السلف إذا شرط عُشْر السلف هدية، أو زيادة، فأسلفه على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا. اهـ.
وأما إذا كانت الشركة تفعل ذلك عن طريق عقد مرابحة للآمر بالشراء، وذلك بأن تشتري الشركة السلعة أولا، وبعد تملكها، ودخولها في ضمانها تبيعها على المستهلك بزيادة 10% إلى أجل مسمى، فهذا صحيح، إذا تحقق بهذه الصفة.
وراجعي في بيان الضوابط المعتبرة في بيع المرابحة الفتويين: 110113، 139582.
والله أعلم.