الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن الإكثار من الحلف مذموم، وكثرة الحلف تحرج الحالف، وتضيِّق عليه فيما قد يكون له فيه متسع شرعًا، وربما عرّضتَه لعدم حفظ اليمين المأمور به شرعًا، قال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}، قال ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: جرى معتادهم بأن يقسموا إذا أرادوا تحقيق الخبر، أو إلجاء أنفسهم إلى عمل يعزمون عليه؛ لئلا يندموا عن عزمهم، فكان في قوله: {واحفظوا أيمانكم} زجر لهم عن تلك العادة السخيفة.
وهذا الأمر يستلزم الأمر بالإقلال من الحلف؛ لئلا يعرّض الحالف نفسه للحنث.
والكفارة ما هي إلا خروج من الإثم، وقد قال تعالى لأيوب -عليه السلام-: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث}، فنزّهه عن الحنث بفتوى خصّه بها. اهـ.
وبخصوص حالتك، فليس الحلف وسيلة نافعة لمنع النفس من الوقوع في المعصية، وأنفع منه استحضار مراقبة العبد لله تعالى، والحذر من سخطه، وأليم عقابه.
وعلى كل؛ فلا يلزمك إلا كفارة اليمين، ولو كنت نذرت نذر لجاج بدفع مبالغ معينة لمنع نفسك من الحنث، ولو اشترطت ألا تكفّر عن النذر؛ فنذر اللجاج والغضب لا يلزم الوفاء به، بل هو كاليمين من حيث التخيير بين البِرّ به وبين إخراج الكفارة، جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: نذر لجاج وغضب، وهو تعليقه بشرط قصد المنع من فعل شيء، فيخيّر بين الفعل، أو كفارة يمين؛ لحديث عمران بن حصين: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين» رواه سعيد.
ولأنها يمينن فيخيّر فيها بين الأمرين، كاليمين بالله تعالى.
ولا يضرّ قوله في نذر اللجاج والغضب: على مذهب من يلزم بذلك المنذور -كمالك-، أو قوله: لا أقلّد من يرى الكفارة، ونحوه؛ لأنه توكيد، والشرع لا يتغيّر به. اهـ. وانظر الفتوى: 431818.
وتكفيك كفارة يمين واحدة عن الأيمان، ونذور اللجاج المتعددة، عند بعض العلماء، وانظر الفتويين: 468598، 394996.
واختلف في كفارة اليمين هل تجب على الفور أم على التراخي؟ كما سبق بيانه في الفتويين: 277693، 96808.
والله أعلم.