الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا نهنئك على ما أنعم الله به عليك من الاهتمام بالدعوة لاتباع منهج السلف انطلاقاً من العلم الشرعي بعيداً عن الأهواء، فإن القيام بذلك من آكد الواجبات الشرعية، ويتعين على الداعي أن يعمل بما يدعو إليه حتى لا يكون ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فقد عاب الله ذلك على اليهود فقال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {البقرة:44}، وقد أخبرنا عن نبيه شعيب صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود:88}.
ولكن وجوب عمل الداعي بما يدعو إليه لا يسقط وجوب الدعوة حينما تعتري العبد فترات ضعف يكسل فيها عن القيام بالأمر؛ لأن كلا من العمل بما علم العبد ودعوته إليه واجب مستقل بذاته، ولا يسوغ أن يترك أحدهما بسبب عجزه عن الآخر، فإن ذلك مدخل من مداخل الشيطان يكسل فيها الناس عن الدعوة بعد ما كسلهم عن العمل.
وأما ابتعاد بعض الدعاة عن المجتمع فهو خلاف الأولى، فالداعية لا بد له من مخالطة الناس حتى يعرف أمورهم ويتناصح معهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فهذا هو هدي خيرة الخلق من الأنبياء والخلفاء الراشدين، كما ذكره النووي في رياض الصالحين.
وأما الابتعاد والعزلة فهو منهج الرهبان الذين كانوا يتفرغون للعبادات القاصرة ويترك أحدهم المجتمع، وهذه الأمة قد شرع لها اتباع منهج الأنبياء والصحابة، ومن أولويات هذا المنهج دعوة الفساق والمبتدعة والظلمة والمنافقين والكفار.
وليعلم أن الولاء والبراء لا يستلزم ترك المخالطة، بل على المسلم أن يعمل كما عمل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقد تبرأ من قومه، ولكنه لم يقصر في دعوتهم ولم يترك السعي في هدايتهم.
هذا.. وليعلم أن الالتزام بطاعة الله تعالى هو السبيل الأمثل لتحقيق ما يطمح إليه العباد من رزق حسن وحياة طيبة وفتح أبواب البركات وفلاح الدنيا والآخرة، فلا يسوغ أن يقصر العبد في الطاعات بسبب اشتغاله في وظيفة أو مؤسسة، فإن تقوى الله وطاعته سبب لرزقه، وعصيان الله سبب لحرمانه، لقول الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3}، ولما في الحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد.
وبناء عليه فيتعين على الداعي أن يدعو إلى الله ولا ينشغل بما يؤول إليه أمره لو توظف، بل يستعين بالله في تحصيل الاستقامة على الطاعة وفي تحصيل الرزق، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8580، 28171، 53349، 47332، 47005، 31768، 33697.
والله أعلم.