الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن العقوق من أكبر الكبائر وأقبح الأفعال وحسب فاعله إثما أنه لا يدخل الجنة، ولا ينظر الله إليه يوم القيامة، وتعجل له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة والعياذ بالله. إلا أنه رغم ذلك لا يبيح للأب ولا للأم ظلم الابن وغمط حقه، فكل مسترعى وهو مسؤول أمام الله عما استرعاه فيه، ومحاسب عليه، وكل مظلوم سينصف يوم القيامة ممن ظلمه، ويؤتى حقه كاملا غير منقوص حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء كما في الحديث، فما بالك بحق الأب على ابنه وحق الابن على أبيه.
وهنا نقول: لا يجوز للأب أن يجور في هبته وعطيته لأبنائه فيعطي بعضا ويحرم بعضا، لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فارجعه وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. فرجع أبي، فرد تلك الصدقة. وفي رواية: قال: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، قال: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور.
فلا ينبغي إذن أن تعطي بعض أبنائك وتحرم البعض لتقصيرهم في حقك، والوصية بذلك لا تجوز أيضا عند كثير من أهل العلم، وهي باطلة إذ لا وصية لوارث. وقد فصلنا القول في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19960، 6242، 5348، 8260، وذكرنا في بعض هذه الفتاوى الحالة التي يجوز للوالد إيثار بعض الأبناء على بعض.
وننصحك بمحاولة الوصول إلى الأبناء فربما كانت الأم أغرتهم عليك بإهمالك إياهم ونحو ذلك مما أنت منه براء -كما ذكرت- فوجدوا عليك وهم جهلة لايعرفون حق الأبوة ولايقدرونها.
ولك أن توسط أمهم في ذلك ما داموا على اتصال بها فتكلمها لتستعطفهم لك أو تبعث إليها من أقاربها من له وجاهة عندها فهم أحرى بقبول كلامها ونصحها.
وأما زوجتك فلك أن تهبها من مالك ما تشاء ولايجب العدل بينها وبين أبنائك، ولكن شريطة ألا يكون ذلك بغرض حرمان بعض الورثة كما بينا في الفتويين رقم: 52512، 66390.
والله أعلم.