يقسّم الباحثون الأمثال النّبويّة إلى قسمين؛ أحدهما: الأمثال القياسيّة؛ وهي الّتي فيها تشبيه مفرد، أو مركّب، وثانيهما: الأمثال السّائرة الّتي تشيع على ألسنة النّاس، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.
وإذا كانت الأمثال قد اختلطت بغيرها من العبارات في كتب الأمثال ذاتها، فإنّها بالحديث النّبويّ أشدّ اختلاطًا، حيث إنّ الأحاديث النّبويّة قد شاركت الأمثال في ذيوعها، وانتشارها، وطغت عليها.
وقد وجد الباحثون أنّ جزءًا كبيرًا من الأمثال النّبويّة هو من قبيل المثل القياسيّ، أو ما يمكن تسميته بالتّمثيل القياسيّ، أو المثل التّصويريّ؛ لأنّه يُعبّر بالصّورة الحِسّيّة المتخيّلة عن المعنى الذّهنيّ، والحالة النّفسيّة، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور، ثمّ يرتقي بالصّورة الّتي يرسمها، فيمنحها الحياة الشّاخصة.
أمّا المثل السّائر فيمكن أن يُطلق على جزء من الأحاديث النّبويّة؛ لكونها قد شاعت على ألسنة النّاس.
والمتأمّل في طرائق أهل الحديث في ترتيب أحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتبويبها يجد أنّ منهم مَن رتّبها بحسب الأبواب الفقهيّة؛ مثل: البخاريّ ومسلم، ومنهم مَن رتّب أحاديث الأحكام بحسب مواضيعها؛ مثل: التّرمذي وأبي داود والنّسائيّ وابن ماجه، ومنهم مَن رتّب الأحاديث بحسب راويها من الصّحابة رضوان الله عليهم، مثل: أحمد في مسنده، وغيره من أصحاب المسانيد.
بيد أنّ أيًّا من جامعي الأحاديث النّبويّة بحسب المواضيع والأبواب الفقهيّة لم يُفْرِد كتابًا للأمثال سوى التّرمذي، فقد أفرد لها كتابًا جاء في ستّة أبواب، وجمع فيه أربعة عشر حديثًا؛ من ذلك:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَثَلُ المؤمن كمثل الزَّرع لا تزال الرِّياح تُفيِّئُهُ، ولا يزال المؤمنُ يُصيبه بلاءٌ، ومَثَلُ المنافق كمثل شجرة الأَرْز، تهتزّ حتّى تُستَحصد) أخرجه التّرمذيّ، كتاب الأمثال، باب: ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ.
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أرأيتم لو أنّ نهرًا بباب أحدكم، يغتسل منه كلّ يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصّلوات الخمس، يمحو اللهُ بهنّ الخطايا) أخرجه التّرمذيّ، كتاب الأمثال، باب: مَثَل الصلوات الخمس.
- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَثَلُ أمّتي مَثَلُ المطر؛ لا يُدرى أوّلُهُ خيرٌ أمْ آخِرُهُ) أخرجه التّرمذيّ، كتاب الأمثال، باب: ما جاء في مَثَل المؤمن مَثَل المطر.
وقد تقدمت الإشارة إلى أبرز الجهود لجمع الأمثال النبوية، بداية بإفراد فصل خاص بها كما فعل الترمذي صاحب السُّنن، حين جمع أربعة عشر مثالًا نبويًّا، ثُمّ جاء محمّد بن عليّ بن الحسن الحكيم التّرمذيّ الّذي جمع سبعة وعشرين منها، وكان أبو عبيد القاسم بن سلام قد أورد ثلاثين مثالًا نبويًّا في كتابه (الأمثال)، أمّا أحمد بن محمّد بن أحمد الميدانيّ النّيسابوريّ فقد أفرد باباً لهذه الأمثال النّبويّة، فجمع ثمانية وخمسين منها، ثُمّ عبد الرّحمن بن أبي بكر بن محمّد الخضيريّ السّيوطيّ الّذي جمع اثنين وأربعين مثالًا.
وقد وجد الباحثون اللُّغويّون الّذين درسوا الأمثال النّبويّة الواردة في "صحيح البخاريّ" أنّ الأمثال النّبويّة القياسيّة -الّتي فيها تشبيه مفرد أو مركّب- قد كثُرت بشكل واضح في أحاديث رسول الله عليه الصّلاة والسّلام؛ من ذلك:
- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومًا فقال: يا قوم! إنّي رأيتُ الجيش بعيني، وإنّي أنا النّذير العريان! فالنّجاء النّجاء. فأطاعوه طائفةٌ من قومه، فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم، فنجوا. وكذّبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبّحهم الجيش فأهلكهم، واجتاحهم؛ فذلك مثل مَن أطاعني واتّبع ما جئتُ به، ومثل مَن عصاني وكذّب ما جئتُ به من الحقّ) متّفق عليه.
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الإيمان ليأرِز إلى المدينة كما تأرز الحَيّة إلى جُحْرها) متّفق عليه، ومعنى (ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جُحْرها) أي: ينضم إليها، ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.
- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن يَشدّ بعضُه بعضًا) ثُمّ شَبَّك بين أصابعه. متّفق عليه.
- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن مسلم يُصيبه أذى: مَرَضٌ فما سواه، إلا حَطّ الله له سيّئاته كما تَحطُّ الشّجرة ورقها) متّفق عليه.
وسوف نأتي على بقية هذا الموضوع في مقال لاحق بإذن الله تعالى.