ولذلك سنقف على نماذج من النصوص النبوية التي حكم العلماء أو بعضهم على أن ظاهرها غير مراد، ولا بد من تأويلها حتى لا تتعارض مع بقية النصوص، من خلال التأويل المنضبط الذي يقوم على الدليل والقرائن الواضحة.
الحديث الأول:
في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
فظاهر هذا الحديث أن قتال المسلم لأخيه المسلم كفر مخرج من الملة، وهذا يرده نصوص كثيرة، قال النووي في شرح صحيح مسلم: وأما قتاله بغير حق فلا يكفر به عند أهل الحق كفرا يخرج به من الملة كما قدمناه في مواضع كثيرة إلا إذا استحله فإذا تقرر هذا فقيل في تأويل الحديث أقوال: أحدها: أنه في المستحل، والثاني: أن المراد كفر الاحسان والنعمة وأخوة الاسلام لا كفر الجحود، والثالث: أنه يؤول إلى الكفر بشؤمه، والرابع: أنه كفعل الكفار والله أعلم.
الحديث الثاني:
في سنن الترمذي عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه».
فظاهر الحديث الأمر بالقتل في المرة الرابعة، ولكن العلماء لم يقولوا بهذا الظاهر، ولم يعملوا به، قال الخطابي في معالم السنن في شرحه لهذا الحديث: قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل، وإنما قصد به الردع والتحذير، ثم قال: ويحتمل أن يكون القتل كان واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل.
الحديث الثالث:
في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر» غير أن في حديث سفيان: «وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق».
الأول: أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه، ووعده، وائتمنه، وخاصمه، وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر. قال النووي: وهذا الذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار.
الثالث: أن معناه التحذير والتنفير للمسلم من أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق.
الحديث الرابع:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
الحديث الخامس:
في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار».
فلا بد من مطالعة كلام العلماء في دلالة الحديث قبل التسلط على فقهه واستنباط معانيه، فالعلماء يجمعون بين النصوص ويفقهونها كنص واحد، وقد أنكروا على من يغلو بالأخذ بالظواهر غير مبال بما يعارض تلك الظواهر من نصوص قاطعة، وحكموا على تلك الأقوال بالبطلان والشذوذ.