الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفاؤل: ثقافة التصالح مع النفس

التفاؤل: ثقافة التصالح مع النفس

التفاؤل: ثقافة التصالح مع النفس

التفاؤل هو توقع الخير، أو هو الكلمة الطيبة والتصرف الحميد الذي يجري على لسان الإنسان، أو تفاعله؛ فينعكس على حياته طمأنينة، وهدوءً وعافية نفسية.
والتفاؤل من أكبر عوامل النجاح في الحياة، لأنه ببساطة ما تقولُه تكونه، وما تريد أن تكونَه فعليك أن تقوله على لسانك وتسعى لتحقيقه.

ونحن جميعاً نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجلاً عن اسمه؛ فقال: حزن. قال: بل أنت سهل.
وفي سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم غير اسْمَ الْعَاصِ وَعَزِيزٍ وَعَتَلَةَ وَشَيْطَانٍ وَالْحَكَمِ وَغُرَابٍ وَحُبَابٍ وَشِهَابٍ؛ وَسَمَّى حَرْبًا سلْمًا وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمَّاهَا خَضِرَةَ وَشِعْبَ الضَّلاَلَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى وبَنِي مُغْوِيَةَ سماهم بَنِي رِشْدَةَ.
وتغييره اسم حرب دليل أيضاً على كراهيته للحرب وتداعياتها وأثرها إلا حين تكون فرضاً مفروضاً لا مندوحة عنه.

وقمّةُ التفاؤل اتصال القلب بالرب جل وتعالى؛ فالصلاة تفاؤل والذكر تفاؤل؛ لأنه يربط الفاني بالحي الباقي؛ ولأنه يمنح المرء قدرات واستعدادات وطاقات نفسية، لا يملكها أولئك المحبوسون في قفص المادة.
والدعاء تفاؤل؛ فإن العبد يدعو ربه فيكمل بذلك الأسباب المادية المتاحة له.

وإني لأدعو اللّهَ حتى كأنَّما أرى بجميلِ الظنّ ما اللَهُ صانِعُ
وحسن الظن بالله تعالى هو قمة التفاؤل؛ حسن الظن فيما يستقبل فيحسن العبد ظنه بربه.
وحسن الظن في الحاضر؛ فلا يقرأ الأحداث والأشخاص والمجتمعات قراءةً سلبية قاتمة، وإنما يقرؤها قراءة إيجابية معتدلة تُعنى بالجانب الإيجابي، وإبرازه والنظر إليه، والحفاوة به بقدر ما تعنى برؤية الجانب السلبي برحمة وإشفاق وسعي وتصحيح.

فالتفاؤل إذاً شعور نفسي عميق واعٍ، يوظف الأشياء الجميلة في أنفسنا، ومن حولنا توظيفاً إيجابياً.
حين تسمع أحداً يصيح: يا سالم يا موفق يا سعيد... إلى آخره؛ تستشعر كأن القدر ساق إليك هذه الألفاظ والعبارات؛ لتفرح بها وتتفاءل وتقول: حياتي إذن سعيدة، ومسعاي موفق، وطريقي سالم.

إن الشؤم تراث ضخم في حياة البشرية كلها، ولكل شعب من الشعوب -كما تحكي كتبهم- تاريخ طويل من التشاؤم؛ تشاؤم بالأرقام كما يتشاءم الإنجليز وغيرهم بالرقم ثلاثة عشر ويستبعدونه حتى في الطائرات وغيرها.
وقد كبل التشاؤم حياة الناس وملأها بؤساً وسواداً، ولو أن الإنسان جعل مكان التشاؤم تفاؤلاً؛ لعاش الحياة من غير كدر نفسي، وعلم طبيعة الدنيا فتعامل معها بالرضا والقناعة.

ولو أن هذا الإنسان تدرب على الصبر، والأناة، وحسن الظن، وأدرك أن من طبع الحياة أنها لا تصفو أبداً وأنها تحتاج إلى صبر وأناة حتى يفهم سرها ويدرك سنتها، ويعرف مفاتحها، لوجد أن من الأمر المألوف أن توجد العقبات في بداية الطريق.

سَهِرَت أَعيِنٌ وَنامَت عُيونُ في أُمورٍ تَكونُ أَو لا تَكونُ
فَاِدرَأِ الهَمَّ ما اِستَطَعتَ عَن النَفـسِ فَحِملانُكَ الهُمومَ جُنونُ
إِنَّ رَبّاً كَفاكَ بِالأَمسِ ما كانَ سَيَكفيكَ في غَدٍ ما يَكونُ

التفاؤل صحة نفسية وبدنية
إن التفاؤل يعين على تحسين الصحة العقلية؛ فالمتفائل يرى الأشياء جميلة يرى الأشياء كما هي؛ فيفكر باعتدال ويبحث عن الحلول ويحصد الأرباح والمكاسب بعيداً عن سيطرة الوهم والخوف والتشاؤم.
المتفائل سعيد يؤدي حق ربه، ويعيش مع الناس يأكل، ويشرب، وينام، ويستمتع ويسافر، ويشاهد، ويسمع، ويبتسم، ويضحك، ويجدّ دون أن يمنعه من ذلك شعور عابر من الخوف أو التشاؤم.

التفاؤل يعين على تحسين الصحة البدنية؛ فإن النفس تؤثر على الجسد، وربما أصبح الإنسان عليلاً من غير علة؛ ويا لها من علة؛ أن تكون النفس مسكونةً بهواجس القلق، والتشاؤم، وتوقع الأسوأ في كل حال.
المتفائل يعيش مدةً أطول وقد أثبتت الدراسات أن المُعَمَّرين عادةً هم المتفائلون في حياتهم، وفي نادٍ أقيم في كوبا حضره عدد من المُعَمَّرين الذين تجاوزت أعمارهم مائة وعشرين سنة؛ تبين أن هؤلاء جميعاً تلقوا الحياة بقدر من التفاؤل.
لكن واخيبتاه! المتشائم حين يقرأ، أو يسمع مثل هذه الأخبار؛ يقول بأسف: وأي حاجة لي في مائة وعشرين سنة أعيشها؛ يكفي ما عشته يكفي أن أعيش هذه الأيام الكئيبة الحزينة.
إنه قد حكم على نفسه بالموت البطيء، ووضع على عينيه نظارات سوداء؛ فهو لا يرى إلا القبيح.

التفاؤل يقاوم المرض وقد ثبت طبياً أيضاً أن الذين يعيشون تفاؤلاً هم أقدر من غيرهم على تجاوز الأمراض؛ وحتى الأمراض الخطيرة، فلديهم قدرة غريبة على تجاوزها والاستجابة لمحاولات الشفاء.
المتفائل يسيطر على نفسه، ويشارك في صناعة مستقبله بشكل فعال وكفء؛ فهو يتخذ الأسباب، ويرجو الحلول، كما يلامس المشكلات والعوائق.

المتفائل ليس أعمى ولا واهماً يعيش في الأحلام، وإنما هو واقعيٌ يدرك أن الحياة -بقدر ما فيها من المشكلات- يوجد إلى جوارها الحلول وبقدر العقبات، فهناك الهمم القوية، التي تحوِّل أبداً المشكلة والأزمة إلى فرصة جميلة.

التفاؤل نجاح
المتفائل ينجح في العمل؛ لأنه يستقبله بنفس راضية، وصبر، ودأب، ويعتبر أنه في مقام اختبار، وهو مصر على النجاح.
وينجح في التجارة؛ لأنه يستقبل مشاريعه، ومحاولاته برضا، وثقة، وطمأنينة، ويحسب خطواته بشكل جيد.
ينجح بالزواج؛ لأن لديه القابلية الكبيرة على الاندماج مع الطرف الآخر، والتفاهم، وحسن التعامل، والاستعداد للاعتذار عند الخطأ، والتسامح عند خطأ الطرف الآخر.
ينجح في الحياة؛ لأنه يعتبر أن الحياة بصعوباتها هي فرصة للنجاح، وإثبات الذات، وتحقيق السعادة.

والناجح لا يتوقف عن العمل أبداً بل هو في عمل دؤوب، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(سورة الحجر).

فالمتفائل في عمل مستمر قد يكون عمل البدن، وقد يكون عمل اللسان، وقد يكون عمل الروح، وقد يكون عمل العقل، ولا يمكن التقليل من أيٍ منها.
التفاؤل درعٌ في مواجهة الصعاب؛ فإن الحياة مطبوعة على الكدر:

طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ

لكن الذي خلق الصعاب هو الذي يعين العبد إذا استعان به، وهو الذي أودع بقوى الإنسان المكنونة القدرةَ على الصبر، والتحمل، والاستمرار.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة