الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 484 ] [ ص: 485 ] الباب السادس

                        في المجمل والمبين

                        وفيه ستة فصول

                        الفصل الأول

                        في حدهما

                        فالمجمل في اللغة المبهم ، من أجمل الأمر إذا أبهم ، وقيل : هو المجموع ، من أجمل الحساب إذا جمع وجعله جملة واحدة .

                        وقيل : هو المتحصل من أجمل الشيء إذا حصله .

                        وفي الاصطلاح : ما له دلالة على أحد معنيين ، لا مزية لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه ، كذا قال الآمدي .

                        وفي المحصول : هو ما أفاد شيئا من جملة أشياء ، وهو متعين في نفسه ، واللفظ لا يعينه .

                        قال ولا يلزم عليه قولك اضرب رجلا ; لأن هذا اللفظ أفاد ضرب رجل وليس بمتعين في نفسه ، فأي رجل ضربته جاز ، وليس كذلك اسم " القرء " ; لأنه يفيد إما الطهر وحده ، وإما الحيض وحده ، واللفظ لا يعينه ، وقول الله تعالى : وأقيموا الصلاة يفيد وجوب فعل معين في نفسه ، غير متعين بحسب اللفظ .

                        وقال ابن الحاجب : هو في الاصطلاح ما لم تتضح دلالته ( وأورد عليه المهمل . وأجيب : بأن المراد بما لم تتضح دلالته : ما كان له دلالة في الأصل ولم تتضح ، فلا يرد المهمل ) .

                        وقيل : هو اللفظ الذي لا يفهم منه عند الإطلاق شيء .

                        واعترض عليه بأنه لا يطرد ولا ينعكس .

                        [ ص: 486 ] أما عدم اطراده ، فلأن المهمل كذلك وليس بمجمل ، وأيضا المستحيل كذلك ; لأن المفهوم منه ليس بشيء اتفاقا ، وليس بمجمل لوضوح مفهومه .

                        وأما عدم الانعكاس : فلأنه يجوز أن يفهم من المجمل أحد محامله لا بعينه ، كما في المشترك فلا يصدق الحد عليه .

                        وقال القفال الشاشي ، وابن فورك : ما لا يستقل بنفسه في المراد منه حتى يأتي تفسير . والأولى أن يقال : هو ما دل دلالة لا يتعين المراد بها إلا بمعين ، سواء كان عدم التعين بوضع اللغة ، أو بعرف الشرع ، أو بالاستعمال .

                        [ تعريف المبين ]

                        وأما المبين : فهو في اللغة المظهر ، من بان إذا ظهر ، يقال : بين فلان كذا إذا أظهره ، وأوضح معناه .

                        وفي الاصطلاح : هو ما افتقر إلى البيان .

                        والبيان مشتق من البين ، وهو الفراق ; لأنه يوضح الشيء ويزيل أشكاله ، كذا قال ابن فورك وفخر الدين الرازي في المحصول .

                        قال أبو بكر الرازي : سمي بيانا لانفصاله عما يلتبس من المعاني .

                        وأما في الاصطلاح : فهو الدال على المراد بخطاب لا يستقل بنفسه في الدلالة على المراد . كذا قال في المحصول . ويطلق ويراد به الدليل على المراد ، ويطلق على فعل المبين .

                        ولأجل إطلاقه على المعاني الثلاثة اختلفوا في تفسيره بالنظر إليها ، فالصيرفي لاحظ فعل المبين ، فقال : البيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي .

                        وقال القاضي في مختصر التقريب : وهذا ما ارتضاه من خاض في الأصول من أصحاب الشافعي .

                        واعترضه ابن السمعاني بأن لفظ البيان أظهر من لفظ إخراج الشيء من حيز الإشكال [ ص: 487 ] إلى حيز التجلي .

                        ولاحظ القاضي أبو بكر ( وإمام الحرمين ) والغزالي ، والآمدي ، والفخر الرازي وأكثر المعتزلة الدليل ، فقالوا : هو الموصل بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب ، ولاحظ أبو عبد الله البصري ( نفس العلم ) فحده بحد العلم ، وحكى أبو الحسين عنه : أنه العلم ، وحكى أبو الحسين عنه أنه العلم الحادث ، قال : ولهذا لا يوصف الله سبحانه بأنه مبين ; لأن علمه لذاته لا بعلم حادث .

                        قال العبدري بعد حكاية المذاهب : الصواب أن البيان هو مجموع هذه الأمور .

                        وقال شمس الأئمة السرخسي الحنفي اختلف أصحابنا في معنى البيان فقال أكثرهم هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب ، وقال بعضهم : هو ظهور المراد للمخاطب والعلم بالأمر الذي حصل له عند الخطاب ، قال : وهو اختيار أصحاب الشافعي ; لأن الرجل يقول بأن هذا المعنى إن ظهر والأول أصح أي الإظهار . انتهى .

                        قال الأستاذ أبو بكر الإسفراييني قال أصحابنا إنه الإفهام بأي لفظ كان .

                        وقال أبو بكر الدقاق إنه العلم الذي يتبين به المعلوم .

                        وقال الشافعي في الرسالة : إن البيان اسم جامع لأمور مجتمعة الأصول ، متشعبة الفروع .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية