[ ص: 698 ] الفائدة الثانية
الأخذ بأقل ما قيل
فإنه أثبته الشافعي ، قال والقاضي أبو بكر الباقلاني ، وحكى بعض الأصوليين إجماع أهل النظر عليه . القاضي عبد الوهاب :
قال ابن السمعاني : وحقيقته أن يختلف المختلفون في أمر على أقاويل ، فيأخذ بأقلها إذا لم يدل على الزيادة دليل .
قال هو أن يرد الفعل عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مبينا لمجمل ، ويحتاج إلى تجديده ، فيصار إلى ما يوجد كما قال القفال الشاشي : في الشافعي إنه دينار . أقل الجزية
وقال هو أن يختلف الصحابي في تقديره ، فيذهب بعضهم إلى مائة مثلا ، وبعضهم إلى خمسين ، فإن كان ثم دلالة تعضد أحد القولين صير إليها ، وإن لم يكن دلالة ، فقد اختلف فيه أصحابنا ، فمنهم من قال : يأخذ بأقل ما قيل . ابن القطان :
ويقول : إن هذا مذهب لأنه قال : إن الشافعي ; الثلث ، وحكى اختلاف الصحابة فيه ، وأن بعضهم قال بالمساواة ، وبعضهم قال بالثلث فكان هذا أقلها . دية اليهودي
وقسم ابن السمعاني :
( أحدهما ) : أن يكون ذلك فيما أصله البراءة ، فإن كان الاختلاف في وجوب الحق وسقوطه كان سقوطه أولى ; لموافقة براءة الذمة ، ما لم يقم دليل الوجوب ، وإن كان الاختلاف في قدره بعد الاتفاق على وجوبه ، كدية الذمي إذا وجبت على قاتله ، فهل يكون الأخذ بأقله دليلا ؟
[ ص: 699 ] اختلف أصحاب فيه . الشافعي
( القسم الثاني ) : أن يكون مما هو ثابت في الذمة ، كالجمعة الثابت فرضها ، مع اختلاف العلماء في عدد انعقادها ، فلا يكون الأخذ بالأقل دليلا ; لارتهان الذمة بها ; فلا تبرأ الذمة بالشك .
وهل يكون الأخذ بالأكثر دليلا ؟ فيه وجهان :
( أحدهما ) : أنه يكون دليلا ، ولا ينتقل عنه إلا بدليل ; لأن الذمة تبرأ بالأكثر إجماعا ، وفي الأقل خلاف ، فلذلك جعلها تنعقد بأربعين ; لأن هذا العدد أكثر ما قيل . الشافعي
( الثاني ) : لا يكون دليلا ; لأنه لا ينعقد من الخلاف دليل ، انتهى .
والحاصل أنهم جعلوا الأخذ بأقل ما فيها متركبا من الإجماع والبراءة الأصلية ، وقد أنكر جماعة الأخذ بأقل ما قيل .
قال وإنما يصح إذا أمكن ضبط أقوال جميع أهل الإسلام ، ولا سبيل إليه ، وحكى قولا بأنه يؤخذ بأكثر ما قيل ; ليخرج من عهدة التكليف بيقين . ابن حزم :
ولا يخفاك أن الاختلاف في التقدير بالقليل والكثير إن كان باعتبار الأدلة ففرض المجتهد ( أن يأخذ ) بما صح له منها ، من الجمع بينهما إن أمكن ، أو الترجيح إن لم يمكن ، وقد تقرر أن الزيادة الخارجة من مخرج صحيح ، الواقعة غير منافية للمزيد مقبولة ، يتعين الأخذ بها والمصير إلى مدلولها ، وإن كان الاختلاف في التقدير باعتبار المذاهب ، فلا اعتبار عند المجتهد بمذاهب الناس ، بل هو متعبد باجتهاده ، وما يؤدي إليه نظره ، من الأخذ بالأقل ، أو الأكثر أو بالوسط .
وأما المقلد فليس له من الأمر شيء ، بل هو أسير إمامه في جميع مسائل دينه ، وليته لم يفعل ، وقد أوضحنا الكلام في التقليد في المؤلف الذي سميناه " أدب الطلب " وفي الرسالة المسماة " القول المفيد في حكم التقليد " .