ذكر الخبر الدال على أن المذموم من الشهادة التي يبتدئها الشاهد قبل أن يسألها هي الشهادة التي يشهد بها الشاهد وهو كاذب فيها . 
 6682  - حدثنا إسحاق بن إبراهيم  ، عن  عبد الرزاق ،  عن  معمر ،  عن  عبد الملك بن عمير ،  عن  عبد الله بن الزبير  أن  عمر بن الخطاب   [ ص: 246 ] قام بالجابية  خطيبا فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم فقال : "أكرموا أصحابي ، فإنهم خياركم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يظهر الكذب حتى يحلف الإنسان على اليمين لا يسألها ، ويشهد على الشهادة لا يسألها ، فمن سره بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهم ، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " .  
 6683  - حدثنا  محمد بن إسماعيل،  قال : حدثنا  يحيى الحماني  وأحمد بن الحجاج المروزي  قالا : حدثنا  ابن المبارك ،  عن  محمد بن سوقة ،  عن  عبد الله بن دينار ،  عن  ابن عمر  ، عن عمر  قال : خطب عمر  بالجابية  فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم فقال : "احفظوني في أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " - ثلاثا - "ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل على اليمين قبل أن يستحلف ، ويشهد على الشهادة قبل أن يستشهد ، فمن أحب منكم بحبحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، ولا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهم ، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " .  
قال  أبو بكر :  فالفرق بين هذا الباب والباب الأول أن المذموم من الشهادة  شهادة الكذب خلاف الشهادة التي يؤديها المرء وهو فيها صادق بار مؤد ما يجب عليه ، والشهادة المذمومة شهادة الكذب التي  [ ص: 247 ] لم يستشهد عليها في الابتداء ، بين ذلك في قوله "ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل على اليمين قبل أن يستحلف ، ويشهد على الشهادة قبل أن يستشهد " . 
وقد حكى  ابن وهب ،  عن  مالك  أنه قال في تفسير معنى خبر زيد بن خالد :  أنه الرجل تكون عنده الشهادة في الحق تكون للرجل لا يعلم بذلك فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان . قال  ابن وهب   : وبلغني عن يحيى بن سعيد  أنه قال : من كانت عنده شهادة لا يعلم بها صاحبها فليؤدها قبل [أن ] يسأل عنها ، فإنه كان يقال : من أفضل الشهداء ، شهادة أداها صاحبها قبل أن يسألها . 
وقال بعض أهل الحديث في خبر زيد بن خالد :  خير الشهداء ، من أدى شهادته قبل أن يسألها  . 
اسم الأداء في اللغة لا يقع إلا على من كانت عنده شهادة فأداها ، فأما من هو كاذب في شهادته فغير جائز أن يقال : أدى شهادة كانت عنده ، إذ اسم الأداء لا يقع على ذلك ، ولا يجوز أن يمدح الرسول من شهد بشهادة ليست عنده ، وكذلك لا يجوز أن يذم الرسول من أدى شهادة هو فيها صادق مؤد ما وجب عليه ، وما قد أشهد عليه . 
قال  أبو بكر :  وقد اختلف أصحابنا في هذا الباب ، فقال أبو عبيد  بعد أن ذكر خبر زيد بن خالد :  وقد روى  عبد الله بن مسعود  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "خير الناس القرن الذي أنا فيهم " . 
 6684  - قال  أبو بكر :  حدثنا  بكار بن قتيبة ،  قال : حدثنا أبو عاصم ،   [ ص: 248 ] قال : حدثنا سعيد ،  عن منصور ،  عن إبراهيم،  عن عبيدة ،  عن عبد الله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يخلف قوم تسبق شهادتهم أيمانهم ، وأيمانهم شهادتهم " . 
قال أبو عبيد   : فالشهادة ها هنا قبل السؤال مذمومة  ، وهي في الأولى محمودة والحديثان كأنهما في الظاهر متضادان وليسا كذلك - إن شاء الله - فوجه حديث عبد الله الشهادة - فيما نرى - على أهل المعاصي من المسلمين بالنار ، ولأهل الطاعة بالجنة ، يبين ذلك قول إبراهيم  وهو المحدث به عن عبيدة،  عن عبد الله  قال : فكنا ننهى عن الشهادة والعهد ، ثم فسره في موضع آخر فقال : الشهادة بدعة . 
قال أبو عبيدة   : وقد يدخل هذا الحديث أيضا قول الرجل في منطقه : أشهد بالله لقد رأيت كذا ، وأحلف بالله لقد رأيت كذا ، فتكون شهادته قد ذهبت هدرا ، ما سئلها ، ولا قام بها حكم ، ولا قضي بها حق . وأما الشهادة التي في حديث زيد بن خالد  فهي - فيما نرى - كل شهادة لا يسع شاهدها كتمانها إذا ادعي ليقيمها من الحقوق الواجبة ، فعلم أن ربها لا يشعر بمكانها عنده أعلمه ذلك ، فهذا مثل الرجل يطلق امرأته ثلاثا ، أو يعتق جاريته ، ولا تشعر واحدة منهما به ، ومثل الرجل يتزوج  [ ص: 249 ] بذات محرم منه من نسب أو رضاع ، ولا يعلم به الزوجان ولا أحدهما ، ومنها الأموال تكون للرجل قبل صاحبه من ديون أو ودائع أو غيرها ، ثم يموت ربها ولا علم للوارث بها . فهذا وما أشبهه مما ينبغي للشاهد إعلام رب الحق إذا علم أنه لا يشعر بذلك . هذا ما في إخبار الطالب للحق ، وأما المطلوب فلا يعلم أحد أوجب على الشاهد إعلامه ذلك إلا أن يسأل عنها ، فإن  ابن عباس  أمر بإعلامه بعد المسألة . 
 6685  - حدثنا  علي بن عبد العزيز،  قال : حدثنا أبو نعيم ،  قال : حدثنا سفيان  ، عن رجل ، عن  جابر بن زيد ،  عن  ابن عباس  قال : من كانت عنده شهادته فليخبر بها ، فإنه لا يدري لعلهم يصطلحون دون السلطان   . 
 6686  - وحدثنا علي  ، عن أبي عبيد  ، قال : حدثنا  عبد الرحمن بن مهدي   وزيد بن الحباب ،  عن محمد بن مسلم،  عن  عمرو بن دينار ،  عن  ابن عباس  قال : إذا كانت عندك شهادة فسئلت عنها فأخبر بها ولا [تقل ] حتى آتي الأمير فأخبره ،  لعله يرجع أو يرعوي . 
قال  أبو بكر :  وهذا عندنا هو الوجه ، والواجب عليه فيما نرى ، لأنه إن كتمها بعد المسألة كان قد أتعب الطالب بالسعي ، وأثم المطلوب بالجحد حتى تقوم عليه الشهادة . 
قال  أبو بكر :  ومعنى الأخبار التي رويناها عن غير أبي عبيد  من أصحابنا على معنى الزور وشهادة الكذب ، والله أعلم .  [ ص: 250 ] 
				
						
						
