ذكر البكر يستمر بها الدم
واختلفوا في البكر يستمر بها الدم، فقالت طائفة: تقعد كما تقعد نساؤها. هذا قول وبه قال عطاء بن أبي رباح، وقال [ ص: 358 ] سفيان الثوري. في البكر لا يعلم لها قروء، وتستحاض، قال: لتنظر قروء نسائها: أمها وخالتها وعمتها، ثم هي تعد مستحاضة، فإن لم تعرف أقراء نسائها فلتمكث على أقراء النساء سبعة أيام، ثم تغتسل، وتصلي كما تفعل المستحاضة. الأوزاعي
وكذلك قال غير أنه قال: إن كانت لا تعرف وقت الأم أو الخالة أو العمة فإنها تجلس سبعة أيام كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم إسحاق بن راهويه وتصلي ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها. حمنة،
وقالت فرقة: إذا كانت مبتدأة لا معرفة لها أمسكت عن الصلاة، فإذا جاوزت خمسة عشر يوما، استيقنت أنها مستحاضة، وأشكل وقت الحيض عليها من الاستحاضة، ولا يجوز لها أن تترك الصلاة إلا لأقل ما تحيض له النساء، وذلك يوم وليلة، فعليها أن تغتسل وتقضي صلاة أربعة عشر يوما، هذا قول الشافعي.
وقال في موضع آخر: وإذا ابتدأت المرأة فحاضت فطبق عليها الدم فإن كان دمها ينفصل فأيام حيضها أيام الحيض الثخين القاني المحتدم، وأيام استحاضتها أيام الدم الرقيق، وإن كان لا ينفصل ففيها قولان: أحدهما أن تدع الصلاة ستا أو سبعا، ثم تغتسل وتصلي، كما يكون الأغلب من حيض النساء، ومن قال هذا ذهب إلى حديث حمنة.
والقول الثاني: أن تدع الصلاة أقل ما علم من حيض النساء، وذلك [ ص: 359 ] يوم وليلة ثم تغتسل وتصلي، ولزوجها أن يأتيها. وحكى عنه أنه قال: تدع الصلاة أقل ما يكون من المحيض، وذلك يوم، وليلة من أول الشهر، ثم تغتسل، وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وبه قال أبو ثور ، قال: وذلك أن الفروض لا تزول إلا بإحاطة، وكان يوم وليلة لا اختلاف فيه، فأمرناها بترك الصلاة والفطر، فلما كان الاختلاف في أكثر من يوم وليلة، أمرناها بلزوم الفرض الذي لا شك فيه، والله أعلم. أبو ثور
وبلغني عن أنه قال في مالك فإنها تترك الصلاة إلى أن توفي خمسة عشر، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك، اغتسلت وصلت وجعلت ذلك وقتا لها، فإن انقطع لخمس عشرة فكذلك أيضا، وهي حيضة قائمة تصير وقتا لها، فإن زاد الدم على خمس عشرة اغتسلت عند انقضاء خمس عشرة وتوضأت لكل صلاة وصلت، وكان ما بعد خمس عشرة من دمها استحاضة يغشاها فيها زوجها وتصلي وتصوم، ولا تزال بمنزلة الطاهر حتى ترى دمها قد أقبل غير الدم الذي كان بها. المرأة التي لم تحض قط ثم حاضت، واستمر بها الدم:
وحكي عنه أنه سئل عن هذه المسألة فقال: تمسك عن الصلاة أول ما ترى الدم حتى يمر بها حيض لداتها من النساء، ثم تحتاط بثلاثة أيام، فإن لم يمسكها ذلك فهي مستحاضة تغتسل وتصلي حتى ترى دما تستنكره يشبه دم الحيض ليس على نحو ما كان عليه دمها، فإن رأت ذلك تركت الصلاة حتى ينقطع عنها ذلك الدم إلا أن تراه أكثر مما يكون عليه الحيض ولا تدع الصلاة. [ ص: 360 ]
وقال الاحتياط لها أن تجلس أقل ما تجلسه النساء وهو يوم وليلة، ثم تصوم وتصلي ولا يغشاها زوجها، فإذا استمرت بها الحيضة وقامت على شيء تعرفه أعادت صوما إن كانت صائمة في رمضان للاحتياط الذي احتاطت فيه؛ لأنه لا يجزئها أن تصوم وهي حائض والصلاة لم تضرها، قال: ولو قال قائل: إذا رأت الدم ومثلها تحيض فجلست ما تعرف النساء من حيضهن وهو ست، أو سبع فلم تصم ولم تصل ولم يغشاها زوجها حتى تعرف أيام حيضتها إلى أن يستمر بها الدم، كان ذلك قولا، والقول الأول أحوط . أحمد بن حنبل:
وقالت طائفة: تدع الصلاة عشرا ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما، فإذا مضت عشرون يوما تركت الصلاة عشرا ثم اغتسلت، وكان هذا حالها حتى ينقطع الدم، هذا قول النعمان، ويعقوب، ومحمد.
قال أما قول من قال تدع الصلاة وتجلس نحو قروء نسائها، فليس يثبت في ذلك خبر، ولا يدل عليه النظر، وأما من أمرها بترك صلاة عشرة أيام وهو أكثر الحيض عنده، فلو قال هذا القائل: تعيد صلاة ما زاد على أقل ما تحيض له النساء، كان أولى به؛ لأن الصلاة فرض، والفرض لا يجب أن يزول إلا بإجماع، ولأن تصلي وليس عليها الصلاة أحسن في باب الاحتياط من أن تدع الصلاة، وقد يكون ذلك فرضا عليها في وقت تركها الصلاة . أبو بكر:
قال والذي به أقول: أنها تدع الصلاة إلى خمس عشرة، فإذا جاوزت خمس عشرة اغتسلت، وصلت وأعادت صلاة ما زاد على [ ص: 361 ] يوم وليلة، تعيد صلاة أربعة عشر يوما، ثم لا يجوز القول فيما تفعله فيما تستقبل ما دام هذه حالها إلا أحد قولين، إما أن يقال لها لا تدعي الصلاة فيما تستقبلي أبدا؛ لأنك لا تعلمين بوقت الحيض من وقت الطهر، فإذا شككت فيما تستقبلي لم يجزئك تركك الصلاة بالشك تصلي فيما تستقبلي أبدا حتى يتبين لك وقت حيضتك من وقت طهرك هذا يوافق أحد قولي مالك. أو يقول قائل: إذا استمر بهذه الدم بعد أن تركت الصلاة من أول ما رأت الدم خمسة عشر يوما فحكمها أن تدع في كل شهر ذلك اليوم الأول الصلاة، ثم تغتسل وتصلي في باقي الشهر وتصوم، فتكون أحكامها فيه أحكام الطاهر، والله أعلم . أبو بكر:
قال فإني إلى القول الأول أميل. أبو بكر: