باب قضاء القاضي لا ينفذ إلا ظاهرا.
2506 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا . أبو العباس الأصم
ح، وأنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أنا ، نا أبو بكر الحيري ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، عن مالك بن أنس ، عن أبيه، عن هشام بن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: أم سلمة " إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعة من النار " .
هذا حديث متفق على صحته، أخرجه ، عن محمد ، [ ص: 111 ] عن عبد الله بن مسلمة ، وأخرجه مالك ، عن مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن أبي معاوية . هشام بن عروة
قوله: "ألحن بحجته" أي: أفطن لها، واللحن مفتوحة الحاء: الفطنة، يقال لحنت للشيء بكسر الحاء ألحن له لحنا، ورجل لحن، أي: فطن.
واللحن بسكون الحاء: الخطأ، يقال: لحن الرجل في كلامه بفتح الحاء يلحن لحنا، واللحن: النحو واللغة، ومنه قول عمر رضي الله عنه: " تعلموا اللحن كما تعلمون القرآن " .
وقال في قول أبو عبيد عمر : تعلموا اللحن، أي: الخطأ في الكلام.
ولتعرفنهم في لحن القول ) أي: في قصده ونحوه، ويقال: لحن فلان: إذا أخذ في ناحية عن الصواب. وقوله سبحانه وتعالى: (
وفيه دليل على أن حكم الحاكم لا ينفذ إلا ظاهرا، وأنه لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا، وإذا أخطأ في حكمه، والمحكوم له عالم بحقيقة الحال، فلا يحل له في الباطن أخذ ما حكم له به القاضي في الظاهر، وهو قول أكثر أهل العلم، وذهب إلى أنه ينفذ قضاؤه ظاهرا أو باطنا في العقود والفسوخ حتى لو شهد شاهدان زورا أن [ ص: 112 ] فلانا طلق امرأته، فقضى به القاضي، وقعت الفرقة بينهما بقضاء القاضي، ويجوز لكل واحد من الشاهدين أن ينكحها. أبو حنيفة
واتفق أهل العلم على أن قضاءه في الدماء والأملاك المطلقة لا ينفذ ظاهرا، أما في المجتهدات مثل أن قضى حنيفي بشفعة الجار لرجل لا يعتقد ثبوتها، أو قضى لرجل يعتقد وقوع الطلاق بتعليق سبق النكاح أنه حلال له، أو مات رجل عن جد وأخ، فقضى القاضي بالميراث للجد على مذهب الصديق، والمحكوم له يرى رأي زيد في أنه لا يستبد بالمال دون الأخ، أو مات رجل عن خال لا يرى توريث ذوي الأرحام، فقضى له القاضي بالمال على مذهب من يورثه، فاختلف فيه أصحاب ، فذهب أكثرهم إلى أنه ينفذ ظاهرا وباطنا، لأنه أمر مجتهد فيه لا يتصور ظهور الخطإ فيه يقينا في الدنيا، وحكم الحاكم بالاجتهاد نافذ. الشافعي
وفي الحديث دليل على أن كل مجتهد ليس بمصيب، إنما الإصابة مع واحد، وإثم الخطإ عن الآخر موضوع، لكونه معذورا فيه، وفيه دليل على أن بينة المدعي مسموعة بعد يمين المدعى عليه.