قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ( اتل ) أمر من التلاوة والدءوب عليها وقد مضى في ( طه ) الوعيد فيمن أعرض عنها وفي مقدمة الكتاب الأمر بالحض عليها والكتاب يراد به القرآن .
الثانية : ( وأقم الصلاة ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته وإقامة الصلاة أداؤها في أوقاتها بقراءتها وركوعها وسجودها وقعودها وتشهدها وجميع شروطها وقد تقدم بيان ذلك في ( البقرة ) فلا معنى للإعادة .
الثالثة :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يريد : إن الصلوات الخمس
[ ص: 320 ] هي التي تكفر ما بينها من الذنوب ; كما قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832266أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شيء ; قال : فذلك مثل nindex.php?page=treesubj&link=24589الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا خرجه
الترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وقال فيه : حديث حسن صحيح . وقال
ابن عمر : الصلاة هنا القرآن . والمعنى : الذي يتلى في الصلاة ينهى عن الفحشاء والمنكر وعن الزنا والمعاصي .
قلت : ومنه الحديث الصحيح : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=830088قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) يريد قراءة الفاتحة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج والكلبي : العبد ما دام في صلاته لا يأتي فحشاء ولا منكرا ; أي إن الصلاة تنهى ما دمت فيها . قال
ابن عطية : وهذه عجمة وأين هذا مما رواه
أنس بن مالك ; قال :
كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ركبه ، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الصلاة ستنهاه . فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم أقل لكم . وفي الآية تأويل ثالث وهو الذي ارتضاه المحققون وقال به المشيخة الصوفية وذكره المفسرون ; فقيل : المراد ب ( أقم الصلاة ) إدامتها والقيام بحدودها ثم أخبر حكما منه بأن
nindex.php?page=treesubj&link=24589الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر ; وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة ، والصلاة تشغل كل بدن المصلي ، فإذا دخل المصلي في محرابه وخشع وأخبت لربه واذكر أنه واقف بين يديه وأنه مطلع عليه ويراه ; صلحت لذلك نفسه وتذللت وخامرها ارتقاب الله تعالى وظهرت على جوارحه هيبتها ، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة ، فهذا معنى هذه الأخبار ; لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون .
قلت : لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله ، وهذا أبلغ في المقصود وأتم في المراد ; فإن الموت ليس له سن محدود ولا زمن مخصوص ولا مرض معلوم وهذا مما لا خلاف فيه . وروي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه فكلم في ذلك فقال : إني واقف بين يدي الله تعالى وحق لي هذا مع ملوك الدنيا فكيف مع ملك
[ ص: 321 ] الملوك . فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر ، ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء لا خشوع فيها ولا تذكر ولا فضائل كصلاتنا - وليتها تجزي - فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى تركته الصلاة يتمادى على بعده . وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس والحسن nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش قولهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864443من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا وقد روي أن
الحسن أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك غير صحيح السند قال
ابن عطية سمعت أبي رضي الله عنه يقول : فإذا قررنا ونظر معناه فغير جائز أن يقول : إن نفس
nindex.php?page=treesubj&link=29494صلاة العاصي تبعده من الله حتى كأنها معصية ، وإنما يتخرج ذلك على أنها لا تؤثر في تقريبه من الله بل تتركه على حاله ومعاصيه من الفحشاء والمنكر والبعد ، فلم تزده الصلاة إلا تقرير ذلك البعد الذي كان سبيله ، فكأنها بعدته حين لم تكف بعده عن الله . وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود : إن فلانا كثير الصلاة . فقال : إنها لا تنفع إلا من أطاعها .
قلت : وعلى الجملة فالمعنى المقصود بالحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864444لم تزده من الله إلا بعدا ولم يزدد بها من الله إلا مقتا إشارة إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=29494مرتكب الفحشاء والمنكر لا قدر لصلاته ; لغلبة المعاصي على صاحبها . وقيل : هو خبر بمعنى الأمر أي لينته المصلي عن الفحشاء والمنكر . والصلاة بنفسها لا تنهى ولكنها سبب الانتهاء . وهو كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=29هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=35أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون
قوله تعالى : ولذكر الله أكبر أي ذكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم ، قال معناه
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=4وأبو الدرداء وأبو قرة وسلمان والحسن ; وهو اختيار
الطبري وروي مرفوعا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن
نافع عن
ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=864445أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قول الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45ولذكر الله أكبر قال : nindex.php?page=treesubj&link=24582ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . وقيل : ذكركم الله في صلاتكم وفي قراءة القرآن أفضل من كل شيء .
[ ص: 322 ] وقيل : المعنى ; إن ذكر الله أكبر مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر وقال
الضحاك : ولذكر الله عندما يحرم فيترك أجل الذكر . وقيل : المعنى : ولذكر الله للنهي عن الفحشاء والمنكر أكبر أي كبير و ( أكبر ) يكون بمعنى كبير وقال
ابن زيد وقتادة : ولذكر الله أكبر من كل شيء أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر . وقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=24582ذكر الله يمنع من المعصية فإن من كان ذاكرا له لا يخالفه قال
ابن عطية : وعندي أن المعنى ولذكر الله أكبر على الإطلاق أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك وكذلك يفعل في غير الصلاة لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر الله مراقب له . وثواب ذلك أن يذكره الله تعالى ; كما في الحديث : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=832104من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ) والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في نهي .
nindex.php?page=treesubj&link=33074والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رتبة أخرى
nindex.php?page=treesubj&link=24582وذكر الله تعالى للعبد هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه وذلك ثمرة لذكر العبد ربه . قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152فاذكروني أذكركم وباقي الآية ضرب من الوعيد والحث على المراقبة .