وقوله : " زكوا ما بقي " ، دليل على وجوب الزكاة عليهم قبل ذلك ، لأنه لو لم تكن وجبت عليهم قبل ذلك ولم يكن من رأيه أنه لا زكاة في مقدار الدين لكان أبعد خلق الله أن يعلمهم الجهلة في إبطال الزكوات التي تجب للفقراء من المسلمين على الأغنياء منهم .
وقد روي هذا القول عن جماعة من المتقدمين [ ص: 285 ] .
568 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا أن ابن وهب ، أخبره ، عن مالكا يزيد بن حفصة ، أنه سأل " عن سليمان بن يسار قال : لا " . رجل له مال وعليه دين مثله " أعليه زكاة ؟
569 - حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، نعيم ، قال : حدثنا قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن هشام ، قال : " الحسن ، " . إذا كان للرجل مال وعليه دين مثله فليس عليه شيء
570 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا قال : حدثنا ابن المبارك ، شريك ، عن المغيرة ، عن فضيل ، عن إبراهيم ، والشعبي ، أنهما قالا : " " . إذا كان عليك دين ولك مال فاحتسب دينك منه ، فإنما زكاته على صاحب الدين
571 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا مسعود ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا قال أخبرنا ابن المبارك ، زائدة ، عن ليث ، عن قال : " طاوس ، " . إذا كان عليك دين فلا تزكه ، فإنما زكاته على صاحبه
572 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا قال : أخبرني غير واحد ، عن ابن وهب ، ابن شهاب ، مولى ونافع ، " ابن عمر ، في رجل له مال وعليه دين مثله ، قال : " لا زكاة عليه " .
ولما كانت المواريث تجب للوارثين في أموال الموتى المورثين ، وكانت الزكوات حقوقا تجب للفقراء في أموال الأغنياء المزكين ، وكان الدين يمنع المواريث من أموال الموتى كان الدين يمنع الزكوات من أموال الأحياء .
واختلفوا في فقال القائلون : يضم الفائدة إلى أصل المال ويزكي ذلك عند حلول الحول على أصل المال . وسواء عندهم كانت هذه الفائدة من ربح ذلك المال ، أو من ميراث ، أو من هبة ، أو من صدقة ، أو مما سوى ذلك من وجوه الفوائد . وممن قال بذلك منهم : الرجل يكون عنده مائتا درهم فيمضي عليه بعض الحول ، ثم يفيد بعد [ ص: 286 ] ذلك مائة درهم ، أو أكثر منها ، أو أقل ، ثم يحول الحول على الأول ، أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد . حدثنا بذلك سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي حنيفة ، . وأبي يوسف
قال محمد ، رحمه الله : وهو قولنا .
وقال آخرون منهم : يستقبل بكل فائدة أفادها حولا جديدا وممن قال ذلك منهم . الشافعي
وقال آخرون : إن كانت الفائدة من ربح ذلك المال زكاها مع المال بحوله ، وإن كانت الفائدة من ميراث ، أو هبة ، أو ما أشبه ذلك استقبل بها حولا جديدا . وممن قال بذلك منهم : مالك .
فكان ما ذهب إليه أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد في ذلك أولى عندنا ، وذلك أنا رأينا الفائدة الطارئة على المال لا يخلو من أن يكون حكمها حكم أصل المال الذي طرأت عليه ، أو حكم نفسها ، فإن كان حكمها حكم نفسها وكانت غير لاحقة بأصل المال فإنه يستقبل بها حولا جديدا . ولا تجب فيها زكاة حتى تكون مائتي درهم فصاعدا ، وإن كان حكمها حكم أصل المال الذي طرأت عليه لحقت به في مقداره وفي حوله .
ولما أجمعوا أن الأموال تجب فيها الزكاة بمقدار منها معلوم وبحول يحول عليها معلوم . وأجمعوا أن هذه الفائدة ، وإن كان مقدارها لا تجب فيه الزكاة على الانفراد ، لاحقة بأصل المال الذي طرأت عليه في مقداره وغير مراع مقدارها في نفسها وجب أيضا أن تكون لاحقة بأصل المال في حوله غير مراع فيها حول نفسها . وقد ذكرنا في كتابنا هذا أحكام زكاة الورق ومقدار ما تجب فيه الزكاة ، وما اجتمع عليه من ذلك ، وما اختلف فيه منه .
فأما الذهب فمثله في جميع ما وصفنا من نقره وعينه ، ومن حليه ، ومن دينه ، ومن فوائده ، ومن سائر ما ذكرنا فيه ، غير المقدار الذي تجب فيه الزكاة منه ، فإنه عشرون مثقالا وسواء كان ذلك تبرا أو عينا أو حليا ، فإذا بلغ عشرين مثقالا وحال عليه الحول وجب فيه ربع عشره إذا لم يكن على صاحبه دين ، وهذا ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم [ ص: 287 ] .
واختلفوا فيما زاد على العشرين مثقالا من الذهب كما اختلفوا فيما زاد على المائتي درهم من الورق ، فقال الذين قالوا : لا زكاة فيما زاد على المائتي درهم ، حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما ، وكذلك لا زكاة فيما زاد على العشرين المثقال من الذهب ، حتى تكون الزيادة أربعة مثاقيل .
وقال الذين قالوا فيما زاد على المائتين من الورق فبحساب ذلك ، وكذلك ما زاد على العشرين المثقال وجبت فيه الزكاة بحساب ذلك ، وكان مذهب من ذهب أنه لا شيء فيها حتى تبلغ أربعة مثاقيل .
إن مقدار الأربعين الدرهم من المائتي درهم ، فقالوا بذلك في الذهب قياسا على ما رووه عن عمر ، وعلي ، في الورق على ما رويناه عن كل واحد منهم في موضعه من كتابنا هذا . وابن عمر